============================================================
الاحقين من العلماء، أمثال ابن بركة والعوتي وأبي يعقوب الوارجلاني.
فقد تمازج الفقه وأصوله في ثنايا المدونة، بما عرضت من مسائل واجتهادات، كشفت عن عناية بالتأصيل واعتماد الدليل، إذ بجد في المدونة توظيفا لقواعد الاجتهاد، وضبطا لأسسه، وترتيب أدلته عند التعارض، فضلا عن العناية بمقاصد الشريعة، واعتبار مآلات الأفعال عند تتزيل الاجتهاد على أرض الواقع. وهو ما تفيده حوارات تلاميذ أبي عبيدة حول عديد من القضايا.
وتسعفنا المدونة بصورة جلية لهذا التفاعل الحي بين العقل والوحي، والمراوحة بين النص والواقع، في رحاب الفقه الإسلامى الأصيل.
وتستوقفنا فيها عديد من المشاهد الحية للحوار العلمي، سواء بين الفقهاء أنفسهم، أم بينهم ويين تلاميذهم، بعيدا عن فرض الرأي عاريا عن البرهان، أو إلزام المرء به دون قناعة وبيان.
وبهذا كشفت المدونة عن أصالة الفكر الاجتهادي لدى المدرسة الاباضية، ورسوخ النظرة النقدية الفاحصة لدى فقهائها، إذ لم يأسروا انفسهم في حدود اجتهاد رجل بعينه، مهما علا قدره ورسخ قدمه، لأن معتمدهم الدليل لا أقوال الرجال، ومرجعهم نصوص الكتاب وسنة المصطفى عليه السلام.
وأبو غانم في مدونته لم يكن حبيس آراء الاباضية لا يعدوها، بل تضمنت المدونة آراء فقهاء المسلمين، كإبراهيم النخمي وشريح القاضى والحسن البصري، وربيعة الرأي، وأبي حنيفة التعمان، ومحمد بن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى: على تفاوت في ما نقل من آراء هؤلاء العلماء(1).
(1) - للمقارنة ينظر فهرس الأعلام ضمن فهارس الكتاب.
63
पृष्ठ 65