ثم ذكر خلق الإنسان (من نطْفَة)، ثم ذكر خلق " الأنعام "، ثم عجائب النبات، فقال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ) الآية.
فجعل مقطع هذه الآية التفكر، لأنه استدلال بحدوث الأنواع
المختلفة من النبات على وجود الإله القادر.
ولما كان هنا مظنة سؤال، وهو أنه: لِمَ لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع
الفصول وحركات الشمس والقمر، وكان الدليل لا يتم إلا بالجواب عن هذا السؤال - كان مجال التفكر والنظر والتأمل باقيًا، فأجاب عنه تعالى من وجهين:
أحدهما - أن تغييرات العالم السفلي مربوطة بأحوال حركات الأفلاك، فتلك
الحركات كيف حصلت، فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل، وإن كان من الخالق الحكيم فذلك إقرار بوجود الإله تعالى، وهو المراد بقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) .
فجعل مقطع هذه الآية العقل، وكأنه قيل: إن كنًت عاقلًا فاعلم أن التسلسل باطل، فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون مُوجِدها غير متحرك، وهو الإله القادر المختار.
والثاني: أن نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة
الواحدة - واحدة، ثم إنا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية
الحمرة والآخر في غاية السواد، فلو كان المؤثر موجبًا بالذات لامتنع حصولُ
هذا التفاوت في الآثار، فعلمنا أن المؤثر قادر مختار.
وهذا هو المراد من قوله: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) .
كأنه قال: اذكر ما يرسخ في عقلك أن الواجب بالطبع والذات
لا يختلف تأثيره، فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أن المؤثر ليس هو الطبائع، بل الفاعل المختار، فلهذا جعل مقطع الآية التذكر.
ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) الآيات.
1 / 33