لما تقدم في الآية ذكر العبادة وتلاه ذكر التصرف في الأموال اقتضى ذلك ذكر الحلم والرشد على الزتيب، لأن الحلم يناسب العبادات، والرشد يناسب الأموال.
وقوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) ... إلى قوله: (أفلا يُبْصرُون) السجدة: ٢٦، ٢٧) .
فأتى في الآية الأولى بـ يهْدِ لهم، وختمها بِ "يَسْمَعُون "، لأن الموعظة فيها مسموعة وهي أخبار القرون.
وفي الثانية بـ يروا، وختمها بـ "يبصرون" لأنها مرئية.
وقوله: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) .
فإن اللطيف يناسب ما لا يدرك بالبصر، والخبير يناسب ما يدركه.
وقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ...
إلى قوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)، فإن في هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها.
وقد بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها قبل أن يسمع
آخرها، فأخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن زيد بن ثابت، قال: أمْلَى
عليَّ رسول الله ﷺ هذه الآية: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ... إلى قوله: خلقًا آخر - قال معاذ بن جبل: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، فضحك رسول الله ﷺ، فقال له معاذ: مِمَّ ضحكْتَ يا رسول الله، قال: بها خُتِمت.
وحكي أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ: " فإنْ زَللْتُمْ من بعد ما جاءتكم البيناتُ
فاعلموا أن الله غفور رحيم ".
ولم يكن يقرأ القرآن، فقال: إن هذا ليس بكلام الله، لأن الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل، لأنه إغراء عليه.
تنبيهات
الأول - قد تجتمع فواصل في موضع واحد، ويخالف بينها، كأوائل النحل.
فإنه تعالى تبدأ بذكر الأفلاك، فقال: (خلَقَ السَّماواتِ والأرضَ بالحقِّ)
1 / 32