मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
ثم أسقط، جملة واحدة، كل المتأخرات التي كانت على النواحي - وكانت تبلغ ثمانين مليونا من القروش؛ أي: سدس الأموال جميعها في عهد (محمد علي) أبيه - والمتأخرات نتيجة طبيعية لسوء ربط الضرائب وسوء جبايتها.
وتنازل أخيرا عن الاحتكار التجاري الذي كان لأسلافه، فعدل، بإذنه عن أخذ الضرائب فعلا: وأطلق الحرية للمزارعين في بيع محصولاتهم، أنى يشاءون ولمن يشاءون، وطالبهم بدفع الأموال الأميرية نقدا.
ورغبة منه في تسهيل الانتقال عليهم من طور إلى طور وجعله أمين العواقب، قسط تلك الأموال على اثني عشر قسطا شهريا؛ ونظم طريقة تحصيلها، طبقا لما كان متبعا في فرنسا حينذاك، ومنح مهلا للدفع، ريثما يتاح لدى المزارعين مال كاف، وتجاوز، في بعض الأحيان ولبعض النواحي المشتدة عضة الفقر على ساعدها عن ضرائب سنة برمتها.
ثم أضاف إلى جميع هذه النعم نعمة أخرى وهي: رفع الضرائب سنويا، عن كل أرض لا تبلغها مياه النيل، إما لقلة في الفيضان، أو لأي سبب كان - مقتفيا في ذلك أثر أسلافه عن عواهل مصر الصالحين: كأحمد بن طولون، والمعز لدين الله، والعزيز بالله، وصلاح الدين.
وتوج كل ما فعل في هذا الباب، بإنشاء قرية للفلاحين على نظام قرى الغرب الريفية؛ جعل فيها جميع أسباب النظافة والراحة متوفرة، لتكون نموذجا يبني فلاحو القطر قراهم على مثاله؛ ولكن الفلاحين أبوا إلا البقاء على معيشتهم القذرة، ولم تمض مدة يسيرة حتى أهمل ساكنوا القرية الأنموذجية منازلها الجميلة، وابتنوا لأنفسهم عششا كالتي اعتادوا، من صغرهم، سكناها، فاندثرت قرية سعيد.
7
غير أن إصلاحاته لم تكن لتجدي الزراعة النفع المرغوب فيه، لو لم تقترن باعتناء تام بوسائل الري وطرق المواصلات.
فأقبل عليهما، ولكنه ما ألقى نظره على الواجب عليه عمله في شأن الري، حتى هالته جسامته؛ وذلك لأن الأوحال كادت تطمر الترع التي أنشأها أبوه، بما فيها المحمودية؛ لقلة الاعتناء بها وقلة صيانتها؛ ولأن أمر تطهيرها فقط - ناهيك بحفر ترع غيرها - كان من شأنه استنفاد همة رجل مقدام في عدة سنوات، فأحجم.
ولكنه - حينما أفهمه موچيل بك أن المحمودية التي كلفت أموالا وأعمارا ثمينة، والتي تستقي الإسكندرية منها ماءها، إن لم تتدارك حالا بالتطهير، انطمرت بعد قليل، وباتت غير صالحة للملاحة بتاتا، حتى ولا للشرب - شمر عن ساعد الجد والنشاط، وأصدر إلى المديريات الأوامر بتسيير العدد اللازم من الأنفار إلى ضفاف تلك الترعة ليشتغلوا في تطهيرها، فأرسلت النواحي مائة وخمسة عشر ألف عامل؛ وخصص لكل منهم عمل يؤديه؛ ووعد وعدا صريحا بتسريحه حالما ينجزه، فجدوا، وتباروا؛ وبالرغم من أنه لم يعط إلا فأسا واحدة لكل خمسة منهم، أتموا العمل على ما يرام في ظرف اثنين وعشرين يوما فقط؛ دون أن يموت أحد منهم، بل دون أن يمرض أكثر من خمسة في كل ألف، بفضل الاحتياطات والوقايات الصحية التي اتخذت.
فإذا تذكرنا أن أكثر من اثني عشر ألف عامل من الذين حفروا المحمودية في سنة 1818 ماتوا في خلال عشرة شهور، ودفنوا تحت أتربة الجسرين المقامين على ضفتيها، أدركنا مقدار تقدم الأيام نحو الأحسن في غضون بضع وأربعين سنة من وجود مصر تحت أحكام الأسرة العلوية.
अज्ञात पृष्ठ