मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
وكانت إنجلترا منذ سنة 1837، أي حالما فرغ من مد الخط الحديدي بين لندن وليڨربول - وهو أول خطوط العالم الحديدية - وقبل أن تمد غيره البلاد البريطانية عينها، قد فاتحته في أمر إنشاء سكة حديدية بين مصر والسويس؛ وراق المشروع في عينه، فبعث من استحضر من أوربا الأدوات والمواد اللازمة له، وهب إلى نفاذه، ولكن فرنسا خافت أن يئول الأمر، إذا ما تم على يد شركة إنجليزية، إلى استيلاء بريطانيا العظمى على القطر المصري، فعارضت في المشروع - ولم يكن (محمد علي) في تلك الأيام يعتمد في الملمات إلا عليها - فأبى إغضابها؛ ورأى، من جهة أخرى، أن نفقات تلك السكة قد تربو على خمسة وعشرين مليونا من الفرنكات، بين أن إيراداتها قد لا تأتي بأرباح مطلقا، لاقتصار منافع الخط المرغوب في إنشائه على المواصلات مع الهند، وعدم استفادة الزراعة منه بشيء، فأهمل المشروع وطرحه في زوايا النسيان.
أما أمر إثراء الفلاحين من زراعتهم وعدم إرهاقهم بالضرائب وطرق جبايتها، فإن الأيام السوداء التي آل فيها عرش مصر إليه، والمصاعب الكبيرة الجمة، من كل نوع، التي أحاقت به، لم تمكنه من تحقيقهما، على كثرة رغبته في ذلك - ولا أدل على هذه الرغبة من إرساله شبانا كثيرين إلى أوروبا ليتلقوا علم الزراعة الفني؛ ومن ابتنائه في شبرا عزبة أحب أن تكون نموذجا للمعيشة الفلاحية السعيدة - فمات وفي نفسه من ذلك غصة: (أولا) لشعوره بحقيقة قول الشاعر الفرنساوي: «إني أريد، ولكن، يا للشقاء الأكبر! فإني لا أصنع الخير الذي أحب، وأعمل الشر الذي أكره.»
5
و(ثانيا) لعلمه بأن أعداء اسمه ومجده سيجدون، في عدم تحقيقه ذينك الأمرين، متسعا للطعن عليه، وتشويه وجه شمس حياته الساطعة!
وبما أن المشهور عن عباس الأول، هو أنه عامل القطر المصري كأنه بلد فتحه بحد السيف، فمن البديهي أنه لم يكن ينتظر منه الالتفات إلى ما يعود على أهله وساكنيه بالرفاهية والخير.
فاستمر الفلاح المصري، إذا، مقيما على أطيان لا يملك منها شيئا، واستمر يزرع وينمي ما لا نصيب له في اختياره؛ ويجني محصولا لا يستطيع التصرف فيه، ولما رأى أن الحكومة أصبح يعوزها شيء كثير من الحكمة والرأفة النسبيتين اللتين امتازت بهما أيام الباشا العظيم وإبراهيم الهمام؛ وأن عباسا لا يهمه من أمره إلا أن يملأ خزائنه بالنقود التي يعصر جسمه للحصول عليها؛ وأنه، فيما عدا لذاته، غير مشتغل في شأن من الشئون العامة، اللهم إلا في إحلال الجنود الألبانيين وغيرهم من الأتراك محل الجنود المصريين، وتسليحهم بمسدسات أميريكية - كأن الشر المندلع من طبنجاتهم لا يكفي لإلقاء الرعب في القلوب - ورأى أن مشروع مد سكة حديدية بين الإسكندرية ومصر لم ينفذ إلا رغم إرادة ذلك الوالي، أخذت عنايته بالحقول تقل، واهتمامه بريها، ودفع طوارئ الحدثان عنها، وتطهير الترع الصغرى الموكول أمر صيانتها إلى القرى، يزول، وبات الخراب يهدد الزراعة المصرية بأسرها.
فلما آل زمام الحكم إلى (سعيد) هاله الأمر؛ وكبر عليه أن تصبح معظم نواحي القطر، بسبب إهمال الري والمواصلات ورزوح الفلاحين تحت ثقل الضرائب الفادحة وغلظة طرق جبايتها الوحشية، قاعا صفصفا وقفرا بلقعا، وأدرك أن ما كان صالحا ومفيدا في أول عهد أبيه، لم يعد له في عهده من موجب؛ بل إن ضرره الفاحش بات يرى بالعين ويلمس باليد.
6
فأصدر أمرا بتوزيع الأطيان، في كل ناحية، على القائمين بزراعتها ليتصرفوا في زرعها كما يشاءون، وأمر بتقييد ذلك التوزيع في سجلات خاصة، تكون بمثابة حجج ملكية لأولئك المزارعين، ولئن لم يمنحهم حق امتلاك الأرض بالمعنى الذي يفهم من هذا التعبير (لأن ذلك لم يكن ممكنا بسبب الاعتقاد السائد من أن ملكية الأرض حق من حقوق السلطان دون غيره)، فإنه أباح لهم حق التصرف فيها بيعا ورهنا، على أن تكون «أثريتها» - كما كانوا واستمروا يسمونها لغاية عهد غير بعيد - لا هي بعينها، موضوع ذلك التصرف، فأنعش بذلك الزراعة المصرية وجعلها تترعرع وتشتد.
وتوصلا إلى استئصال كل الأشواك من سبيلها دفعة واحدة، أقبل على الضرائب، وعدل طريقتي ربطها وجبايتها: فأبطل النظام التضامني الذي كان قاعدتها؛ وهو نظام - بما كان يوجبه من التضامن في دفع الأموال، بين أهل الناحية الواحدة، وأهل نواحي القسم الواحد، وأهل أقسام المركز الواحد، وأهل مراكز المديرية الواحدة - كان يلزم العامل النجيب النشيط بسد العجز الناجم عن كسل رفاقه، وتهاونهم، أو جهلهم؛ والعجز الناتج عن الفراغ الذي يحدثه الموت، أو أي طارئ كان في عدد سكان الناحية أو القسم أو المركز أو المديرية: وفي ذلك من الغبن والظلم ما لا يسلم به عقل.
अज्ञात पृष्ठ