388

मिस्र खादीवी इस्माइल

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

शैलियों

مهما يكن من الأمر، فإن شريف باشا بعد فراغه من تلاوة ذلك التقرير، تلى على المجلس أيضا ميزانية السنة المالية الجديدة، التي أولها 10 سبتمبر سنة 1873 وآخرها 10 سبتمبر سنة 1874، فعين المجلس لجنة لفحصها، ففحصتها في أربعة أيام، ورفعت عنها للخديو تقريرا موجزا، لا يتجاوز خمسة سطور، فوقعها الخديو، وأرفض المجلس في الحال، بعد أن بلغ عدد جلساته ستا فقط.

على أنه إن لم يكن هناك من شيء يستغرب له في أمر اعتماد لجنة مجلس النواب الميزانية الجديدة في مدة وجيزة، كالتي ذكرناها، لأن موادها كانت تقريبا مواد السنة السابقة بعينها، ما عدا بعض تعديلات طفيفة، فإن الأمر لم يكن كذلك في عدم انتباه اللجنة والمجلس معا إلى أن عجز الإيرادات العقارية في الميزانية الجديدة عن التي سبقتها بلغ ستمائة وخمسة وعشرين ألف جنيه. وبما أنه كان ناجما عن إعفاء الأطيان، التي دفعت ضعف الضرائب المطلوبة من نصف الضرائب المربوطة عادة عليها، تنفيذا لقانون «المقابلة»، فإنه كان يعني أن المال الذي ورد إلى الخزينة، ليكون «مقابلة» لذلك الإعفاء بلغ سبعة ملايين من الجنيهات.

فكان الواجب، إذا، أن يتساءل المجلس ويستقصي عما فعله الوزير بذلك المبلغ الهائل، وفيم صرفه؟ إذ إن الدين السائر الذي كان قبل إصدار قانون «المقابلة» نيفا وأحد عشر مليون جنيه، أصبح بعد إصدار ذلك القانون وتنفيذه خمسة وعشرين مليون جنيه ونصف مليون، وأن عشرة ملايين جنيه تقريبا، من هذه الملايين الخمسة والعشرين ونصف، كانت حوالات تعهدت بدفعها لجنة «المقابلة» أي لجنة الضريبة التي إنما قررت لسداد عموم ديون القطر المصري من المال المتحصل بموجبها.

ولكن المجلس لم يسأل، ولم يستقص كأن الأمر لم يهمه مطلقا، وكأنه لم يكن هناك للدفاع عن مصالح البلاد، فكان سكوته عن تصرفات وزير المالية الغريبة إما اعترافا منه بأنه لم يكن يفقه شيئا، حتى ولا المبادئ في الأمور المالية، وإما أنه يغطي، تحت رداء مسئوليته النيابية، مسئولية ذلك الوزير الوظيفية.

على أن كلا الأمرين ثبتا لدى إسماعيل صديق باشا، فرأى أن الجو أمامه خلا خلوا تاما لإنهاء مسألة القرض العظيم المنتظر، الذي بات الوسيلة الوحيدة للخروج من المأزق البالغ منتهى الحرج، والمسبب عن اضطراره إلى دفع فوائد قدرها 14٪ على مبلغ الدين السائر، فوق دفع فوائد الديون الثابتة.

على أنه كان لديه وسيلة أخرى للخروج من ذلك المأزق، وهي إشهار إفلاس الحكومة المصرية، وربما كان هذا، في تلك الظروف، أقل ضررا على البلاد من الإقدام على ما كان قد ثبت الإقدام عليه في تصميم الوزير. ولكن إسماعيل صديق لم يكن ليجد في مثل ذلك الإشهار الفوائد الشخصية التي كان يمني نفسه بها في عقد القرض.

فلكي يبرر عمله، أوعز إلى مشايعيه أن يهولوا بعظيم الفائدة التي تعود على المالية المصرية من وراء تحويل الدين السائر إلى دين ثابت، لما يوجبه هذا التحويل من وفر واقتصاد في سعر الفوائد المتقاضاة. ولما وثق بأن كيفية نظره إلى الأمور وقرت في النفوس، أقبل يخلق وسطا يكثر فيه حب استطلاع كنه القرض العتيد، والميل إلى الاشتراك فيه.

فشرع الناس يتساءلون كم عسى يكون مبلغ هذا القرض، فبعضهم يؤكد أنه لن يقل عن 40 مليونا من الجنيهات، وآخرون يزعمون أنه قد يزيد على ذلك، بينما غيرهم يذهبون إلى أن المصلحة قد لا تقضي باستلاف أكثر من خمسة وعشرين مليونا - أي المبلغ المطلوب لتحويل الدين السائر إلى دين ثابت - ويقول فريق آخر إنه قد يكون ذلك، ولكن على شرط أن لا يزيد مبلغ الدين السائر، فإذا زاد، زاد أيضا مبلغ القرض.

وبينما هذه الأحاديث تجعل النفوس قائمة قاعدة، كانت المخابرات بشأن ذلك القرض جارية مجراها على قدم وساق مع المحلات التجارية، وكان محل أپنهايم وشركائه في مقدمتها، طبعا، إذ آن له أوان جني ما زرع.

على أن إسماعيل صديق باشا، ليتمكن من انتظار يوم الوصول إلى الغاية، وهو في سعة من المال، عاد إلى إصدار إفاداته المالية، فصرفت الدائرة السنية منها، في ظرف سنة، ما قيمته 630 ألفا بخصم معدله 13٪ وتلتها «المقابلة»، فصرفت هي أيضا، ولكن في ظرف شهر فقط حوالات بلغ قدرها مليونا وستمائة وخمسين ألفا من الجنيهات بفائدة معدلها 12٪.

अज्ञात पृष्ठ