मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
في الألف بدمياط، ولكن متوسطها في مدة اشتداده كان من 65 إلى 70 وفاة يوميا. ومدة الزيادة هذه استمرت من 17 إلى 18 يوما في الإسكندرية وغيرها، ثم وقف المرض على الفتك بعدد محدود، أي من 35 إلى 40٪ من المصابين، ما بين عشرة أيام وأحد عشر يوما، وأخذ بعد ذلك يخف وطأة من عشرين إلى خمسة وعشرين يوما، فلم يعد يموت من المصابين سوى من 15 إلى 20 في المائة، وكثيرا ما كان المصاب يشفى من تلقاء نفسه، وذلك في عموم القطر تقريبا.
على أن جهود الإدارة الصحية لم تفتر لحظة عما كانت عليه في أول يوم، بل زادت على ما كانت مع ازدياد المرض، ففرضت على مراكب البريد ذاتها حجرا صحيا مدته خمسة أيام، بما فيها يوم السفر، وأخضعت كل من فيها لزيارة طبية يومية. هذا إذا كانت سليمة، وأما إذا كانت مراكب حدثت عليها إصابات في مدة السفر، فالحجر كان ثمانية أيام عقب يوم الوصول، وإذا حدثت على ظهرها إصابة جديدة في هذه المدة ضربت عليها ثمانية أيام أخرى. كذلك لم يكن يسمح لأي مركب، بخارية كانت أم شراعية، أن تداني المواني والثغور إلا بعد قضاء مدة الحجر المفروضة. وأما البضائع التي كان لا بد من إنزالها وتصريفها في الحال، لئلا تتلف، فكانوا ينزلونها في ماعونات ويطهرونها تطهيرا شاملا، ثم يسمحون لها بالدخول إلى القطر.
ومع ذلك فإن فريقا من الرأي العام وجد أن الإدارة لم تقم بكل واجبها، فحمل عليها في بعض الجرائد حملات منكرة، أدت إلى زيادة الهلع والخوف اللذين كانا قد عما العاصمتين المصريتين، وبعض مدن الريف الكبرى منذ أن انتشر خبر الإصابات الأولى، وأوجبت نزوح الكثيرين من أهل البلاد إلى الخارج، حتى لقد قدر أن عدد الذين هجروا القطر ما بين 12 يونية و15 يولية بلغ نيفا وخمسة وثلاثين ألفا أي أنه قد سافر كل من استطاع إلى السفر سبيلا.
وكان (إسماعيل) قد عزم على السفر إلى أوروبا في ذلك العام قبل أن تظهر أخبار مطلقا عن الوباء، فلما ظهرت، تشدد كل التشدد في إنفاذ الوسائل الصحية وتعميمها، لكيلا يقضي عليه تنفيذ عزمه بترك الحالة الصحية في القطر مضطربة، سائدا عليها الخوف، ولكنه لما وثق من أن أوامره نفذت كلها، وأنه لم يعد على مسئوليته غبار، فوض إلى شريف باشا قائمقامية القطر في مدة غيابه، وإلى نوبار باشا أمر الاهتمام الكلي بمقاومة الوباء والقضاء عليه، وأقلع في صباح اليوم الرابع عشر من شهر يونية من الإسكندرية على ظهر يخته «المحروسة»، وبعد أن قضى مدة يتجول بين جزر البحر الأبيض المتوسط، ويتنزه في عرضه، مستنشقا نسيمه العليل نزل بمرسيليا، وتوجه منها إلى فيشي للتطبب بمياهها.
فاتخذت الألسنة النمامة سفره في تلك الظروف ذريعة للطعن عليه، واتهمته في بعض الجرائد الفرنجية في القطر المصري وخارجه بأنه إنما سافر لشدة خوفه من العدوى، وشدة حرصه على حياته الثمينة! مع أن تلك الألسنة كانت تعلم حق العلم أنه لم يكن بالجبان، ولا اشتهر عنه الخوف من الخطر، ولو أنه لم يلجأ في إثبات شجاعته إلى ما عمله (محمد سعيد باشا) سلفه، ليقيم الدليل عليها.
فإنه يروى عن ذلك الوالي الغريب الأطوار أنه أمر ذات يوم بتكديس بارود جاف على جانبي طريق ضيقة، مسافة طويلة، ثم أوقد شبكه، وألزم حاشيته وشانئي شجاعته بإشعال شبكاتهم أيضا، وسار بهم متنزها على تلك الطريق، وهو يدخن وهم يدخنون، وقد أنذر بالعقاب الشديد كل من وجد شبكه مطفأ عند البلوغ إلى نهاية الطريق، وما زال ينقل خطواته عليها ببطء كلي حتى بلغ آخرها، وكانت شرارة واحدة، تطير عن أحد الشبكات وتسقط على ذلك البارود المتكدس كافية لتنسف تلك الطريق بمن عليها نسفا.
9
على أن لا (سعيد) ولا (إسماعيل) كانا في حاجة إلى إقامة الأدلة على شجاعتهما، فإن المثل السائر يقول «هذا الشبل من ذاك الأسد»، وأيضا «ابن الوز عوام»، فكيف يكون ابن (محمد علي) وابن (إبراهيم )، بطلي أبطال الشرق الحديث، جبانين؟
وأما السوقة والعامة فإنهم شرعوا يرون في تعاقب المصائب الطبيعية على مصر بعد زيارة السلطان عبد العزيز لها دليلا على ما كانوا يعلنونه من توقعهم إياها، ارتكانا على أراجيف المرجفين من ضرابي الرمل، وقرائي المقدور على صفحات النجوم وصفحات الورق، فكثرت - والحالة هذه - المخاوف، وهلعت الأفئدة، وأصبح المعتقدون في آرائهم السخيفة هذه، كلما مس البلاد ضر، أو اشتدت عليها شدة يقولون لمن شاء أن يسمعهم «أرأيتم كيف يتحقق كلامنا، ويصدق حدسنا؟»
10
अज्ञात पृष्ठ