मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
ووقعت عقوبة الإعدام على عدد من الجنود الذين اشتركوا في أعمال النهب والسلب، وعاود السكون القاهرة، وظهر محمد علي بمظهر الرجل الذي لا يتردد في التضحية بمصلحته الشخصية في سبيل الصالح العام، فلم يعد يذكر شيئا عن رغبته في العودة إلى بلاده، وتيقن محمد علي من تعلق الشعب به، وطويت كذلك مسألة تعيينه لولاية سالونيك، وبقي محمد علي، أما سائر الرؤساء كأحمد بك وصادق أغا وعلي بك أخي طاهر باشا فقد غادروا القاهرة في 13، 23 سبتمبر.
وكانت مهمة خورشيد التالية استئناف القتال ضد المماليك.
وقد اهتم خورشيد باستئناف القتال ضد المماليك؛ تنفيذا لرغبة الباب العالي الذي أراد إفناء المماليك والقضاء على سلطانهم، ولأن استئناف القتال ضدهم يقتضي خروج الأرنئود من القاهرة إلى الصعيد، فيتسنى لخورشيد عندئذ استقدام قوات أخرى يستعيض بها عنهم، ويتمكن بفضلها من دعم أركان حكومته، الأمر الذي استأثر بتفكيره دائما وسط كل مشاغله، وصح عزمه على تدبير هذا الانقلاب الذي سوف يخلصه منهم في أثناء غيابهم وانشغالهم بقتال المماليك في الصعيد بعيدين عن القاهرة، ولما كان قد ترك القاهرة ورحل عن مصر كثيرون من الرؤساء والجند الأرنئود حوالي الألفين فقد وجد الباقون أنهم فقدوا قدرا كبيرا من السيطرة التي كانت لهم، حتى إن «العثمانلي» الذين كانوا قد تزيوا بزي الأرنئود اتقاء لشرهم، ما لبثوا أن استعادوا زيهم العثمانلي القديم، ولم يكن من المنتظر لذلك أن يستمر الأرنئود يرفضون الخروج لقتال المماليك بالصعيد، أو يقاومون أوامر خورشيد، وبخاصة إذا دفع لهم شيئا من مرتباتهم.
فكتب الوكلاء الفرنسيون في نشرتهم الإخبارية عن حوادث «12-23 سبتمبر 1804»: «أن خورشيد قد عقد اتفاقا مع زعماء الجند «الأرنئود» بأن تخرج جماعة من الجنود لقتال المماليك في الصعيد، وتذهب جماعة أخرى إلى الجيزة لتقيم بالثكنات الموجودة بها، وذلك بمجرد أن يدفع خورشيد مرتبات شهرين، وأما الذين لا يرضيهم هذا الاتفاق من الجند فيعودون إلى أوطانهم»، وشرع خورشيد يجمع المال اللازم، فلجأ إلى المشايخ يسألهم رأيهم، فتخلص هؤلاء بأن فوضوا السيد أحمد المحروقي في المسألة، فحصل خورشيد بواسطته على 150 كيسا، ووافق الوجاقلية ورؤساء النقابات على إعطائه مبلغا كبيرا من المال (2600 كيس) يشرع في تحصيله فورا على أن يجري توزيع كل ما يرد منه على الجند أولا بأول وفي مدة غايتها ثلاثون يوما، واستطاع الوجاقلية أن يدفعوا لخورشيد 1500 كيس، وبهذه الطريقة تمكن من دفع المرتبات المتفق عليها مع الأرنئود، وعندئذ لم يعد هناك مناص للجند الذين فضلوا البقاء في مصر وعدم العودة إلى بلادهم من الخروج في الحملة المزمعة ضد المماليك.»
وفي أواخر سبتمبر كان قد اجتمع الجند ورؤساؤهم في طرة، وفي 23 سبتمبر قلد خورشيد سلحداره ولاية جرجا، وفي 29 منه كان الجيش على قدم الاستعداد، فاستعرض خورشيد الجند في 2 أكتوبر، وكانوا حوالي الأربعة آلاف، تولى قيادتهم سلحداره، وفي 6 أكتوبر بدأ هذا الجيش زحفه صوب جرجا، واستعد في الوقت نفسه للخروج جيش ثان من حوالي ثلاثة آلاف من المشاة والفرسان وأعطيت قيادته لمحمد علي في 24 أكتوبر، ولكنه تعطل سيره عندما اتهم أحد ضباطه «قادري أغا» بأنه يكاتب البكوات في الصعيد، «فمنعوه من السفر إلى قبلي وأمروه بأن يسافر إلى بلاده فركب في عسكره وذهب إلى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها، وانضم إليه كثير من العسكر»، وعبثا حاول محمد علي وخورشيد اللذين ذهبا إليه، إقناعه بالسفر، ثم لم يلبث أن انضم إليه عدد من الأرنئود المتذمرين يتراوح عدده - حسب الروايات المختلفة - بين الستمائة والتسعمائة، وقال «مسيت» عند ذكره لهذا الحادث في رسالته إلى حكومته في 12 نوفمبر: «إن هذه القوة البسيطة من الأرنئود العصاة استطاعت أن تملي شروطها على خورشيد، وبمقتضى هذه الشروط أعدت السفن لنقل قادري أغا وجماعته إلى الإسكندرية حتى يبحروا منها إلى أوطانهم، فترك بولاق في 6 نوفمبر، ولكنهم عندما وصلوا إلى شابور لاحظوا تأخر سفينتي المدفعية اللتين كانتا في حراستهما فنزلوا إلى البر، وساروا بطريق الصحراء لغرض الانضمام إلى المماليك بمعسكر الألفي»، وقد أرسل محمد علي - على نحو ما ذكر الوكلاء الفرنسيون في نشرتهم الإخبارية بتاريخ 24 نوفمبر - لتعقبهم والبحث عنهم ولكن دون جدوى.
وتلقى محمد علي أوامر بالتحرك في 17 نوفمبر، على أن يتبع نفس الطريق الذي سار فيه جيش السلحدار؛ أي على الضفة اليسرى للنهر، ومهمته أن يحمي جناح جيش السلحدار من تهديد قوات الألفي له عند مدخل الفيوم؛ حيث كان الألفي رابضا بهذا المكان، وكانت وجهة جيش محمد علي المنيا، وأخيرا خرج جيش ثالث في 21 نوفمبر من 1200 مقاتل، أعطيت قيادته إلى حسن بك الذي رفعه خورشيد إلى مرتبة الباشوية منذ 8 نوفمبر، وكانت مهمة حسن باشا الزحف على الشاطئ الأيمن للنهر للاستطلاع، وحتى يحمي من هذا الجانب زحف الجيشين السابقين، وقد أنزل حسن باشا نصف قواته في النيل، بينما سار برا بالنصف الآخر.
وأما المماليك فقد ظهر الانقسام بينهم بوضوح بعد أن أنهى الفيضان عملياتهم العسكرية حول القاهرة؛ ولذلك فقد انسحبت جماعة الألفي وعثمان حسن صوب الفيوم، بينما انسحب إبراهيم والبرديسي صوب الصعيد، وحاول عقلاؤهم تدارك الموقف، فبذلت المساعي لترتيب اجتماع بين الألفي والبرديسي بجزيرة في النهر بالقرب من طرة؛ لأن كلا الفريقين رفض العبور إلى الشاطئ الذي كانت به قوات زميله، ولكن هذه المساعي أخفقت عندما أعلن الألفي أنه سوف يختار وقتا أنسب للمقابلة مع البرديسي، حتى إذا كان شهر أغسطس 1804 أعلن البكوات الذين اجتمعوا في بني سويف خبر الصلح بينهم جميعا بإطلاق المدافع، ولكن البرديسي لم يلبث أن استولى على بعض المراكب المحملة بالغلال والتي كانت قد خرجت من الميناء لحساب الألفي، فقضى هذا الحادث على الصلح بينهما.
وكان في هذه الأثناء أن جدد الألفي مساعيه مع الوكيل الإنجليزي «مسيت»؛ يبغي تحقيق مآربه منفصلا عن سائر زملائه، فبعث إليه بمذكرتين وصلتاه وهو برشيد في 28 أغسطس، إحداهما معنونة باسم الصدر الأعظم، والأخرى باسم وزير الخارجية بإنجلترا، ويرجو من «مسيت» وساطته لإرسالهما إليهما من أجل الوصول إلى اتفاق مع الباب العالي، ومع أن «مسيت» كان لا يثق في ولاء الألفي للإنجليز ويعتقد أنه إنما يسلك طريقا يبغي به خدعة الإنجليز والفرنسيين على السواء، فقد بعث بمذكرته المرسلة إلى وزارة الخارجية إلى لندن، وبعث بالأخرى إلى «ستراتون» في القسطنطينية، وقال يعلل ذلك في كتابه إلى «هوبارت» في 3 سبتمبر: «ومهما تكن نوايا حكومته ؛ أي الحكومة الإنجليزية، نحو هذه البلاد؛ فإن ما يظهره المماليك أو على الأقل حزب من أحزابهم من إرادة حسنة ونوايا طيبة نحو إنجلترا سوف يعود عليها بالفائدة، وأنه قد وجد لذلك من واجبه وبعد أن أخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة؛ ألا يهمل أية وسيلة يتسنى بها كسب النفوذ على مختلف طوائف البكوات.»
على أنه كان من أثر هذا الانقسام بين البكوات أن اتخذ هؤلاء في شهري سبتمبر وأكتوبر مراكزهم منعزلين عن بعضهم بعضا، فوقف البرديسي بجماعته بالقرب من أسيوط، وتخلى إبراهيم عن إدارة أعماله لولده مرزوق بك، وربض سليمان بك الخازندار في المنيا، وظل الألفي في الفيوم، بينما آثر عثمان بك حسن الانسحاب إلى أسوان «ملجئه القديم»، ومع ذلك فقد اعتقد كثيرون أن البكوات إنما كانوا يبغون التظاهر بالانقسام فحسب، وذلك حتى يغروا خورشيد بإرسال جيوشه لقتالهم في الصعيد أي في عرينهم، كما اعتقد آخرون أن الاتحاد وثيق بين إبراهيم وسليمان وبين البرديسي.
ومهما يكن من أمر فإنهم ما لبثوا أن وجدوا جيوش الأرنئود والعثمانلي تخرج لقتالهم، وعندئذ تجددت المساعي، يؤيدها في هذه المرة تأييدا كبيرا كل من إبراهيم وعثمان حسن؛ لجمع الكلمة وضم الصفوف، ونجحت وساطتهما بين الألفي والبرديسي، وعسكر الألفي الصغير بمماليكه وعربانه في الفشن لوقف زحف جيش سلحدار خورشيد باشا (ديسمبر 1804).
अज्ञात पृष्ठ