मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
Hildebrand
فتوسط محمد علي بصورة أفضت إلى الإفراج عن الأول ونقل الثاني إلى منزله «كرهينة»؛ لأن الأرنئود أصروا على تسليم القاتل إليهم وهددوا في الوقت نفسه بنهب القاهرة إذا لم يجب مطلبهم، وأشرك الطرفان المتنازعان خورشيد باشا في الأمر، ولكن صاحب الفضل في إنهاء هذه الفتنة كان «محمد علي» الذي أقنع الأرنئود بقبول الدية بدلا من القصاص من القاتل، فوافق زعماؤهم على إطلاق سراح خادم «روير» وكذلك «هلدبراند» نظير مبلغ من المال، كما وعدوا بعدم إيذاء «روير» أو غيره واعتبر الحادث منتهيا (10 أغسطس).
وقد علل «مسيت» ما سماه «صرامة» من جانب محمد علي في هذا الحادث بسبب إصراره على تسليم القاتل أو دفع الدية لأهل المقتول، بأن «محمد علي» كان يعلم - كما قال «مسيت» في رسالته إلى «هوبارت» في 12 أغسطس - أن الممباشي المقتول من جند حسن بك أخي طاهر باشا «وهو صاحب نفوذ كبير على الأرنئود بسبب ذلك، فإنه لما كان من الجائز أن يكون حسن بك صديقا مفيدا لمحمد علي أو عدوا يخشى الأخير خطره؛ فقد أدرك - ولا شك - أنه إذا أيد مصلحة الفرنسيين في هذا الحادث إنما يثير بذلك غضب حسن بك عليه ويحرم نفسه من تأييد هذا القائد ومناصرته له، مما قد يضطره علاوة على ذلك إلى الانسحاب من مصر كلية وضياع كل آماله»، فآثر إرضاء حسن بك على رعاية المصلحة الفرنسية، ومع ذلك ومهما يكن من أمر فقد دل نجاح محمد علي في تسكين الفتنة على مدى ما كان له من نفوذ على الأرنئود جعله يطمئن إلى قدرته على الاعتماد عليهم عند الحاجة، على أنه كان من ذيول هذا الحادث أن بعث «ماثيو لسبس» من الإسكندرية يستقدم الجالية الفرنسية وأعضاء البعثة الفرنسية كذلك من القاهرة، ورحل جميعهم إلى الإسكندرية في غضون شهري أغسطس وسبتمبر، ولم يبق بالقاهرة سوى «مانجان» فحسب؛ «لبضعة أيام ينهي فيها أعماله».
وأما محمد علي فقد جعله اطمئنانه إلى ما يتمتع به من نفوذ على الجند يقدم بعد ذلك - كما قال معاصروه - على تجربة حظه مع القوة العاملة الأخرى في داخل القاهرة، وهم القاهريون أنفسهم الذين بلغ سخطهم أشده على حكومة خورشيد باشا؛ وذلك لمعرفة مدى سلطانه ونفوذه عليهم، وقد أسفرت هذه التجربة عن اقتناع محمد علي بأن الشعب متعلق به يؤيده ويريد بقاءه.
وتفصيل ما حدث، أن «مسيت» منذ حوادث «مارس 1804» التي أفضت إلى تحطيم حكومة البكوات وطردهم من القاهرة، ظل يتهم «محمد علي» بالعمل لتعزيز المصالح الفرنسية وقبول الرشوة من الوكلاء الفرنسيين؛ لإنهاء حكم البكوات من القاهرة والحيلولة دون إقامة الحكومة القوية التي تستطيع رد عدوان الفرنسيين عن البلاد إذا جاءوا لغزوها، وزاد اعتقاده رسوخا عندما أبلغ محمد علي الوكيل الفرنسي فحوى نصيحة كان «مسيت» قد كلف بها ترجمانه بالقاهرة لينصح الأرنئود بوضع عدد كاف من الجند في المراكز الساحلية لمنع نزول الجيش الفرنسي عند حضوره، وليوضح لهم نوايا الفرنسيين العدوانية نحو مصر والمورة، وساء «مسيت» أن يستأثر محمد علي بكل سلطة في شئون الحكم دون خورشيد الذي عده «مسيت» - كما تقدم - ألعوبة في يد محمد علي.
وتزايدت مخاوف «مسيت» من زيادة نفوذ محمد علي بعد معركة شلقان، واضطرار البكوات إلى الانسحاب صوب الصعيد بسبب الفيضان، وفك الحصار نهائيا عن القاهرة تبعا لذلك رسائل «مسيت» لحكومته في 12 مارس، 4 و19 أبريل، 13 مايو، 5 أغسطس 1804، وعلى ذلك فقد دأب «مسيت» على النصح لخورشيد بالتخلص من الأرنئود وإبعاد محمد علي، كما بادر بمجرد أن علم بمساعي محمد علي في القسطنطينية من أجل الحصول على باشوية مصر بالكتابة إلى حكومته في 10 أغسطس يبلغها نبأ هذا المسعى، ويفصح عن رجائه «في أن يرفض الديوان العثماني عروض محمد علي الخادعة»، ويبدي مخاوفه من نجاح مساعيه في آخر الأمر بسبب ما هو معروف من إمكان رشوة رجال الباب العالي.
ولما كان قد بلغ «مسيت» أن الأرنئود الموجودين بالشام ينوون الحضور إلى مصر للإثراء فيها بسرعة على نحو ما فعل مواطنوهم؛ فقد صار يبذل قصارى جهده ليحمل خورشيد باشا على منع حضور هؤلاء العساكر الأرنئود إلى مصر بدعوى أن خورشيد سوف يجد نفسه وقد بات لا حول له ولا قوة إذا تزايد عدد الأرنئود، وفي وضع مشابه لوضع الباشوات العثمانيين في مصر قبل الغزو الفرنسي، وفضلا عن ذلك فقد صار «مسيت» يكرر النصح لخورشيد بضرورة السعي لدى الباب العالي لإبعاد محمد علي من مصر، واستمع خورشيد لنصيحته.
وعلى ذلك فقد كتب «مسيت» إلى «هوبارت» في 16 أغسطس 1804 «أنه يشعر بسرور وارتياح عظيمين؛ لأن في وسعه الآن أن يبلغه أن الديوان العثماني قد عين «محمد علي» لباشوية سالونيك استجابة لتوصية خورشيد باشا بناء على ما أبداه «مسيت» من حجج ودعاوى» لإقناع خورشيد بعمل هذا المسعى في القسطنطينية، على أنه يبدو من إغفال «مانجان» والشيخ الجبرتي وغيرهما من المعاصرين ذكر مسألة تعيين محمد علي لولاية سالونيك، التي علم بها «مسيت» من خورشيد، أن خورشيد ربما فضل إخفاء هذا الخبر في وقت كان فيه محمد علي نفسه يبدي رغبته في العودة إلى بلاده، ويبدي غيره كذلك من رؤساء الأرنئود نفس هذه الرغبة.
زد على ذلك أنه لم يصدر فرمان من الباب العالي بتعيينه لهذا المنصب، ومن الثابت أن خورشيد ظل يبذل مسعاه بعد ذلك لتعيين محمد علي لإحدى باشويات الإمبراطورية، ولم تتكلل مساعيه بالنجاح إلا في مايو 1805 على نحو ما سيأتي ذكره، وعلى كل الأحوال فسواء أكان يعلم محمد علي بأمر هذا التعيين، أم كان يجهله وليس هناك قطعا ما يدل على علمه به ؛ فالثابت أن جماعة من كبار الأرنئود ومن الذين منعهم الجند من السفر في 11 أغسطس كانوا قد عقدوا العزم على العودة إلى بلادهم سريعا، وعلى ذلك فقد انتهز محمد علي هذه الفرصة للقيام بتلك التجربة التي أراد بها اختبار مدى تعلق الشعب به، فقابل خورشيد وأبلغه أن فوضى الجند وعدم خضوعهم للنظام جعلا من المستحيل على أية حكومة أن تقوم بوظائفها، بينما يجعل انتشار البؤس والضنك من المتعذر جمع المال اللازم لدفع مرتبات الجند؛ ولذلك فإنه لما كان مقتنعا بأنه لم تعد هناك أية فائدة من بقائه واستمرار خدماته فقد أراد العودة إلى بلاده، فبادر خورشيد بإجابته إلى طلبه، وخرج محمد علي من هذه المقابلة يعلن عزمه على السفر كما شرع يبيع بعض أثاث منزله.
وعلى ذلك فقد أشيع - على نحو ما ذكره الشيخ الجبرتي في حوادث «5 جمادى الثانية 1219ه/11 سبتمبر 1804م» - سفر محمد علي إلى بلاده وكذلك أحمد بك وغيرهما من أكابرهم، وشرعوا في بيع جمالهم ومتاعهم، وبادر خورشيد باستبدال آخرين بهم في مناصبهم، فما إن ذاع الخبر في القاهرة حتى كثر لغط الناس وعم الاضطراب، وأغلقت المدينة أبوابها وخرجت الجماهير الصاخبة إلى الشوارع والأسواق وأغلقت الدكاكين والوكائل، واعتبر القاهريون الذين تعودوا الاعتماد على محمد علي في حمايتهم من الفوضى وإرهاب الجند لهم عودته إلى بلاده كارثة عظيمة، وازدادوا تمسكا به عندما شرع الجند وسط هذا الهياج والاضطراب ينهبون ويسلبون مرة أخرى، ولجأ النساء والأطفال إلى بيت الشيخ المهدي، وسبب ما حدث دهشة عظيمة لخورشيد الذي عجز عن اتخاذ أي إجراء لإعادة الأمن والهدوء، وخرج محمد علي بنفسه لتهدئة العاصفة في اليوم التالي (12 سبتمبر) فتجول في أنحاء المدينة «وهو ماش على أقدامه»، وخلفه حسن بك أخو طاهر باشا وعابدي بك وأغاة الإنكشارية والوالي - رئيس الشرطة - وعدد كبير من الجند، يعمل لإشاعة الطمأنينة في نفوس الأهلين الذين استمعوا لنصحه فلزموا بيوتهم ومحالهم.
अज्ञात पृष्ठ