मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
بوادر انفراجها
فما إن وصل جواب محمد علي وعرضحال المشايخ إلى القبطان باشا حتى أوفد هذا سلحداره شاكر أغا يحمل رسائل إلى المشايخ، ويطلب من محمد علي الإذعان لأوامر السلطان، فوصل إلى بولاق في ليل 13 يوليو، وفي اليوم التالي أرسل إلى المشايخ رسالة من القبطان باشا باسمهم عموما، ثم أخرى إلى الشيخ السادات، وثالثة إلى السيد عمر مكرم، وكلها على نسق واحد من قبودان باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان باللغة التركية، ومضمون الكل الإخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر، وولاية سالونيك، وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر، وأن يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج إليه من السفن ولوازم السفر لتوجهه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالإعزاز والإكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الأوامر السلطانية، وكانت مهمة شاكر أغا أن يقنع المشايخ باستخدام كل ما توهم أنه لديهم من نفوذ علي الباشا في حمله على تسليم منصب الولاية للباشا الجديد الذي تعين بإرادة السلطان، ولكنه لم يحصل منهم إلا على إجابات مبهمة.
فقد اجتمع المشايخ عند عمر مكرم في نفس اليوم (14 يوليو) وتشاوروا في الأمر، ويقص الشيخ الجبرتي ما حدث بصورة يستبين منها أن هؤلاء لم يكن لهم صوت في هذه الأزمة أو كانوا يجرءون على توجيهها، وأنهم جعلوا من أنفسهم آلة في يد محمد علي يديرها كيفما شاء، فيقول: «وقد ركبوا (أي هؤلاء المشايخ وعمر مكرم) إلى الباشا، فلما استقروا بالمجلس قال لهم: وصلت إليكم المراسلات الواصلة صحبة السلحدار؟ فقالوا: نعم، وما رأيكم في ذلك؟ قال الشيخ الشرقاوي: ليس لنا رأي والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك، فقال لهم في غد أبعث إليكم صورة تكتبونها في رد الجواب، وأرسل لهم من الغد (15 يوليو) صورة مضمونها، أن الأوامر الشريفة وصلت إلينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال، إلا أن أهل مصر ورعيتها قوم ضعاف، وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لأهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وأنتم أهل الشفقة والرحمة والتلطف، مما كان يعتبره الشيخ الجبرتي من التزويقات والتمويهات التي كانت لا تخفي ما صح عزم الباشا عليه من العصيان ومقاومة أوامر الباب العالي.»
ولم يكن هناك شك في تصميم الباشا على المقاومة، فذكر «مانجان» أن محمد علي قال له في هذا اليوم نفسه؛ أي في 15 يوليو: «لقد استوليت على القاهرة بحد السيف، ولن أتخلى عنها إلا بحد السيف! هل تظنون أن هذه المدينة حمام يدخله كل من يشاء بسهولة، لقد وعد البكوات بإعطاء أعضاء الديوان 1500 كيس (أي السبعمائة والخمسين ألف قرش التي تعهدوا بدفعها) وتعهد الإنجليز بضمانة إيفائهم بوعودهم ودفع هذا المبلغ، وخيل إليهم أنهم يستطيعون بواسطة هذا المبلغ أن يصبحوا أسيادا لمصر، إني أعرف الأتراك وأعرف الوسيلة التي تتبع معهم، فالرشوة أداة فعالة مع أناس من طرازهم، ثم عاد يذكر انقلاب مايو 1805، فقال: لقد أحدثت ثورة في العام الماضي واعتليت الحكم يعاونني في ذلك 500 جندي وحسب، وأما الآن فلدي ألف وخمسمائة من مواطني المخلصين لي، وما القاهرة إلا سلعة في سوق الدلالة! وهي من نصيب ذلك الذي يسبق منافسه وغريمه بضربة سيف واحدة، وأما شاكر أغا فقد غادر القاهرة بالأجوبة في ليل 15 يوليو، ولم يغفل الباشا عن إرسال الهدايا معه إلى القبطان باشا بعد أن أكرم وفادة شاكر أغا نفسه.»
وأوفد القبطان باشا مرة أخرى سليم أغا قابجي كتخدا الذي كان محمد علي قد بعث به إلى الإسكندرية صحبة سعيد أغا كتخدا البوابين، يحمل جواب القبطان ومضمونه أن القبودان لم يقبل هذه الأعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا أصل لها ولا بد من تنفيذ الأوامر وسفر الباشا ونزوله هو وحسن باشا وعساكرهما الأرنئود وخروجهم من مصر وذهابهم إلى ناحية دمياط وسفرهم إلى الجهة المأمورين بالذهاب إليها ولا شيء غير ذلك أبدا، فوصل سليم أغا إلى القاهرة في 21 يوليو، ثم لم يلبث بعد ذلك بأسبوع أن ورد الخبر بوصول موسى باشا إلى الإسكندرية، وكان هذا قد حضر إليها في 19 يوليو، على نحو ما سبقت الإشارة إليه، ثم لم يلبث أن بعث برسول إلى القاهرة وعلى يده مرسوم خطاب لأحمد أفندي الدفتردار بأن يكون قائما مقامه، ويأمره بضبط الإيراد والمنصرف، فلم يقبل الدفتردار ذلك، وقال: «لم يكن بيدي قبض ولا صرف ولا علاقة لي بذلك، ومما يذكر أن المشايخ وصالح أغا قابجي باشا وسعيد أغا والسيد عمر مكرم وسائر الموجودين في الحفل الذي أقيم بديوان محمد علي بمناسبة تقليد أحمد أفندي جديد الدفتردارية في 6 فبراير 1806 كانوا قد شرطوا عليه ألا يحدث حوادث كثيرة فإن حصل منه شيء عزلوه وعرضوا في شأنه، وقبل أحمد أفندي ذلك على نفسه، وكان معنى هذا أن يصدع بكل ما يأمره به محمد علي، ولم يكن من المنتظر وقد شهد إجماع الرأي على مخالفة أوامر الباب العالي واللجوء إلى القوة إذا لزم الأمر من أجل استمرار الباشا في الولاية أن يقبل ما عرضه عليه موسى باشا.»
وبينما قضى القبطان باشا الوقت في رجوات أو تهديدات لا جدوى منها ولا طائل تحتها، ويرحب محمد علي برسله إليه ويبالغ في إكرامهم، ويبعث بالهدايا الثمينة إلى القبطان باشا نفسه، كانت الحوادث تسير مسرعة نحو إنهاء هذه الأزمة في صالح محمد علي.
فقد انتهز محمد علي فرصة هذا الأخذ والرد بينه وبين القبطان باشا، لإنجاز استعداداته لمنازلة الألفي خصمه العنيد الذي أدرك محمد علي أنه مبعث أكبر ما يتهدد باشويته في هذه الأزمة، طالما بقي محتفظا بقواته، يشدد الحصار على دمنهور ويبعث، بفضل الجيش الذي لديه، الأمل في نفس القبطان باشا في إمكان عزل محمد علي من الولاية وإخراجه هو والأرنئود من مصر ؛ وعلى ذلك، فقد استأنف الباشا مساعيه لإحياء المفاوضات مع بكوات الصعيد التي شابها شيء من الفتور والركود وقتئذ، فقال «دروفتي» منذ أول يوليو: «إنه بدأ مفاوضات جديدة معهم وأرسل عثمان البرديسي لهذا الغرض أحد كشافه إلى محمد علي، وغادر هذا الرسول القاهرة محملا بالهدايا للبرديسي وسائر كبار البكوات، وحرص الباشا على استتباب الهدوء في القاهرة، وجمع القاهريين حول قضيته، واستند في ذلك على سلاح الدعاية، فأشاع في طول البلاد وعرضها أن الباب العالي قد ثبته في حكومة مصر، وأمر بإقامة الأفراح احتفالا بهذا التثبيت في القاهرة ورشيد.» وعجب «مسيت» غاية العجب من أن خطوات لم تتخذ من جانب القبطان باشا لإزالة الأثر الذي قال إنه لا مفر من حدوثه حتما في أذهان الأهالي نتيجة لإقامة هذه الاحتفالات وذيوع الخبر، وعلل عدم مبادرة القبطان باشا بنفيه وتكذيبه بأن محمد علي قد رشاه بخمسين ألفا من الجنيهات، وقال: فإذا كان الأمر كذلك فمسلك القبطان لا يحتاج إلى تفسير، ثم استطرد «مسيت» يقول في نفس رسالته هذه التي بعث بها إلى السفير الإنجليزي بالقسطنطينية في 31 يوليو: «وفي اعتقاده أن أكثرية كبيرة من أهل القاهرة سوف لا يصدقون لذلك أن القبطان باشا إنما حضر إلى مصر كي يعيد المماليك إلى الحكم، ويبذل محمد علي من جانبه نشاطا بلغ أقصاه لمنع حدوث أي تغيير أو تبدل في آرائهم في هذه المسألة.»
وصار الباشا يحشد قواته في إمبابة للخروج ومحاربة الألفي، واستطاع أن يجمع قدرا من المال دفع منه مرتبات الجند أو قسما منها، ولما كان في حاجة ملحة لخروج جميع العسكر في الحملة المزمعة ضد الألفي، فقد طلب من مشايخ الحارات بالتعريف عن كل ما كان متصفا بالجندية ويكتبوا أسماءهم ومحل سكنهم، ثم أمر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للمحاربة، وبعث يطلب العربان للتجمع، وعين لذلك حسن أغا محرم وعلي كاشف الشرقية، ووصل الكثير من طوائف عرب الحويطات ونصف حرام من ناحية شبرا إلى بولاق، ثم ركب طوائف الدلاتية وتقدموا إلى جهة بحري، وأشرف محمد علي نفسه على تجهيز العرضي في إمبابة، وقال «مسيت»: إن الباشا لما كان مقتنعا بسبب الأجناد التي زوده بها عيونه وجواسيسه وبعث بها إليه الوكيل الفرنسي «دروفتي»، ثم بسبب ما بدا من جانب القبطان باشا من خمود الحركة تماما، بأنه لا موجب للخوف من هذا الأخير، فقد وضع أحد قواده على رأس أربعة آلاف رجل أكثرهم من الفرسان وأمره بغزو مديرية البحيرة والاشتباك مع الألفي، وأما هذا القائد الذي ذكره «مسيت» فكان طاهر باشا ابن أخت محمد علي، ويعاونه قائد آخر هو «طبوز أوغلي» (كتخدا بك) وتتخذ قواتهما مواقفهما بالرحمانية ومرقص، وكان على أيدي هذين القائدين أن حدث أول التحام جدي في معركة كبيرة بين جيش محمد علي والألفي، وكان النصر فيها حليف الألفي.
وذلك أن الجند الذين شدد الباشا في جمعهم من القاهرة، وأصر على خروجهم من معسكر إمبابة، لم يلبث أن وصل قسم منهم إلى الرحمانية ومرقص، فمكنت هذه النجدة طاهر باشا وطبوز وأوغلي من مغادرة مراكزهما واعتلاء الشاطئ الأيسر للنيل (فرع رشيد) للانضمام إلى القسم الآخر من الجيش الذي عرفا أنه لا بد حاضر لنجدتهما، من أجل الاشتباك مع الألفي وإرغامه على رفع الحصار عن دمنهور، ووجب على الألفي لذلك أن يحول دون انضمام الفريقين، فترك حصار دمنهور، وتعقب الأرنئود حتى لحق بهم في اللحظة التي دخلوا فيها إلى النجيلة، وهي بلدة تقع على الشاطئ الغربي لفرع رشيد وعلى مسافة 36 كيلومترا جنوب الرحمانية، وكان لا مفر حينئذ من وقوع التحام بين الجيشين، فكانت معركة النجيلة في 31 يوليو 1806.
وكان الجيش من الدلاة والأرنئود قد انقسم إلى قسمين: أحدهما بقيادة طاهر باشا ويحتل إلى يمين البلدة مركزا يستند أو يتكئ على النهر، والثاني بقيادة طبوز أوغلي يقف مرتبا للقتال إلى قدام النجيلة ذاتها، وكان جند طاهر باشا هم الذين اشتبكوا أولا في المعركة، وأدركوا نجاحا في مبدأ الأمر، ولكن عربان الألفي ما لبثوا أن شددوا الهجوم عليهم، وخاض الألفي نفسه المعركة وسط مماليكه، فلم يستطع طاهر باشا الصمود، وهرب بنفسه واحتذى الجند مثاله فرموا سلاحهم، ولاذوا بالفرار، وألقوا بأنفسهم في النيل وامتلأ البحر من طراطير الدلاتية، وامتلأ النيل بالقوارب المحملة بالجند الفارين، وغرق اثنان منها، واستطاع بقية الجند من أرنئود ودلاة الوصول إلى الشاطئ الآخر، وأما جيش كتخدا بك فقد أبلى بلاء حسنا وأبدى مقاومة أفضل فدفع هجمات العدو مرات عديدة واستطاع بدوره أن يقوم بهجوم شديد أكثر من مرة على قوات الألفي، حتى إن فريقا من الدلاتية تمكنوا من قتل الضابط اليوناني «جورجي»
अज्ञात पृष्ठ