मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
فأنتم خلفاء الله على خليقته وأمناؤه على بريته، ونحن ممتثلون لولاة أموركم في جميع ما هو موافق للشريعة المحمدية على حكم الأمر من رب البرية في قوله سبحانه وتعالي:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فلا تسعنا المخالفة فيما يرضي الله ورسوله، فإن حصل منهم خلاف ذلك نكل الأمر فيهم إلى مالك الممالك؛ لأن أهل مصر قوم ضعاف، وقال عليه الصلاة والسلام: «أهل مصر الجند الضعيف، فما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته.» وقال أيضا: «وكل راع مسئول عن رعيته يوم القيامة.»
وتفيد أيضا حضرة المسامع العلية من خصوص القرض والسلف التي حصل منها الثقلة للأهالي من محمد علي باشا، فإنه اضطر إليها لأجل إغراء العساكر وتقويتهم على دفع الأشقياء والمفسدين والطغاة المتمردين امتثالا لأوامر الدولة العلية في دفعهم والخروج من حقهم، واجتهد في ذلك غاية الاجتهاد رغبة في حلول أنظار الدولة العلية، فالأمر مفوض إليكم والملك أمانة الله تحت أيديكم ...
وكتب المشايخ من هذا العرضحال نسختين، إحداهما بعث بها هؤلاء ومعهم محمد علي إلى الباب العالي، وحمل الرسول الذاهب بها مبلغ الألفي كيس التي جمعها الباشا من الرؤساء الأرنئود، وذلك لتوزيعها على أعضاء الديوان العثماني ممن لهم تأثير مباشر في القرارات التي يتخذها الباب العالي، وأما النسخة الأخرى فقد أرسلت إلى القبطان باشا، ثم إن محمد علي أنفذ رسولا يحمل كتبا منه إلى القبطان باشا قال «مسيت» في رسالته إلى «أربثنوت» في 14 يوليو: «إنه وصل إلى الإسكندرية في اليوم السابق، ثم نقل إلى السفير الإنجليزي ما جاء في هذه الرسائل فقال: إنها تذكر أن الجند الذين تحت قيادة محمد علي، لما كانوا قد أقاموا سنوات عديدة في مصر فهم يرفضون مغادرة بيوتهم وأسراتهم، وأظهروا عزمهم على حجزه وإبقائه معهم رهينة لضمان حصولهم على مرتباتهم المتأخرة.»
ثم استطرد «مسيت» يقول: «ولكن هذا المكر ومحاولة تفادي الموقف والتهرب من تلبية أوامر الباب العالي لم يغب على فطنة القبطان باشا ولكنه لما لم يكن لديه من الوسائل ما يمكنه بها من القيام بأية عمليات عدوانية ضد محمد علي، فقد اعتزم سؤال حكومته حتى تصدر إليه تعليمات جديدة.» وكان تعليق «مسيت» على ذلك: «ولكن محمد علي قد يستطيع قبل أن تصل هذه التعليمات إلى القبطان باشا الحصول من الديوان العثماني بطريق المال أو الرشوة على أمر تثبيته في ولايته.» واستند «مسيت» فيما ذهب إليه إلى أن القنصل الفرنسي بالإسكندرية «دروفتي» قد بعث يوصي القائم بأعمال السفارة الفرنسية في القسطنطينية برعاية وتأييد مصلحة محمد علي، وأظهر «مسيت» تشاؤمه من هذا كله فقال: إن كل أمل في إخلاء مصر من الأرنئود واسترجاع المماليك لسلطتهم قد زال وانقضى.
ولكن القبطان باشا على العكس من «مسيت» كان لا يزال متفائلا في أن مهمته سوف تكلل بالنجاح، لنفس السبب الذي جعله يحضر إلى مصر بقوات قليلة، وهو اعتقاده - واعتقاد الديوان العثماني كذلك - أن الباشا لن يجسر على مخالفة أوامر الباب العالي، وأن المماليك سوف يكملون بفرسانهم ومقاتليهم النقص الموجود في قواته التي أحضرها هو معه، ولكنه إلى أن تأتيه تعليمات جديدة من القسطنطينية وإلى أن يحزم المماليك أمرهم فيأتي بكوات الصعيد لنجدة الألفي ونجدته - الأمر الذي لن يحدث كما سيأتي ذكره وبيان أسبابه بعد - ولا سبيل إلى إرسال جيش ينتزع القاهرة من محمد علي قوة واقتدارا، لم يكن هناك من وسيلة لتنفيذ ما لديه من تعليمات سوى إبلاغ أوامر الباب العالي من جديد إلى المشايخ ومحمد علي وانتظار جواب هؤلاء مرة أخرى عليها، ومحاولة استنهاض همة البكوات المماليك واستحثاثهم على الإيفاء بعهودهم ودفع مبلغ السبعمائة والخمسين ألف قرش، ثم مراقبة الصراع الذي انحصر الآن بين محمد علي والألفي وانتظار نتائجه، وإلى جانب هذا كله تسلم الهدايا والرشاوى التي صار يبعث بها إليه كلا الفريقين محمد علي والألفي على السواء.
وأما محمد علي، فقد دل عرضحال المشايخ على أنه قد صح عزمه نهائيا على المقاومة، وأن الأعذار التي انتحلها في مبدأ الأمر لعدم تلبية رغبات الباب العالي؛ أي إرغام جنده له على عدم مبارحة البلاد قبل أن يدفع لهم مرتباتهم، وهي أعذار وإن كان يستبين منها التلكؤ والمماطلة حقا ولكنها لا تنفي امتثاله للأوامر الصادرة إليه، قد حلت محلها الآن حجج ودعاوى تدل في وضوح وجلاء على أنه قد صح عزمه على رفض أوامر الباب العالي ومقاومتها بالقوة إذا لزم الحال، وتستند على عامل ثابت لا تبدل فيه ولا تغير هو رفض الأهلين وزعمائهم الأوضاع الجديدة المقترحة وعودة الحكومة المملوكية وتمسكهم ببقائه واستمرار حكومته عليهم، ولقد كان مبعث هذا التحول في لهجة الباشا إنجاز استعداداته للدفاع عن القاهرة ووثوقه من ولاء رؤساء الأرنئود له، واطمئنانه إلى سكون الأهلين وهدوئهم وإشراكه لمشايخهم وزعمائهم معه في موقف المعارضة لأوامر الباب العالي، ونجاحه في شل حركة بكوات الصعيد، وأخيرا وقوفه على حقيقة ما لدى القبطان باشا من قوات لا تمكنه من الدخول ضده في أية عمليات عسكرية إذا شاء إرغامه على تسليم باشوية مصر إرغاما.
وقال «مسيت» بعد ذلك في رسالة إلى «وندهام» في 14 أغسطس 1806: «إن محمد علي الذي لم يعرف حقيقة القوات التي لدى القبطان باشا وأراد كسب الوقت، أجاب على ما طلبه هذا منه في لهجة تنم عن الخضوع الكامل بأنه مستعد لطاعة أوامر السلطان، وحيث إنه كان مصمما على مقاومة أي جهد أو محاولة لحرمانه من حكومة مصر، فقد أمر بإصلاح تحصينات القاهرة وإقامة التحصينات حولها وعلى جبل المقطم المشرف على القلعة، حتى إذا قطعت الاستعدادات شوطا كبيرا، وبلغته الأخبار أن جيش القبطان باشا أقل من ثمانمائة رجل أعلن قراره بصراحة وهو الاحتفاظ بالقلعة التي فتحها بحد سيفه، ويبدو أن الباب العالي ما كان يتوقع أن يرفض محمد علي وأنصاره طاعة أوامره وقراراته؛ لأن القبطان باشا لم يكن مزودا بتعليمات تخوله القيام بأعمال عدوانية ضد محمد علي؛ ولذلك فقد وجد القبطان باشا ضروريا عندما رفض محمد علي إخلاء البلاد أن يطلب من حكومته تعليمات جديدة.»
ولقد استطال الأخذ والرد بينه وبين القبطان باشا فترة من الزمن، استطاع الباشا خلالها أن يستخدم تلك الأساليب التي قال إنه يعرفها مع الديوان العثماني ومع القبطان باشا نفسه، بإرسال الهدايا والمال إلى القسطنطينية وإلى الإسكندرية، وأن يجدد مسعاه مع بكوات الصعيد حتى يزيد شقة الخلاف اتساعا بينهم وبين الألفي، وأن يستحث أهل دمنهور - بواسطة السيد عمر مكرم خصوصا - على الاستمرار في مقاومة الحصار الذي ضربه الألفي على مدينتهم، وحشد العسكر لمحاولة الالتحام مع الألفي نفسه، ثم السهر على استقرار الهدوء والسكينة في القاهرة وأخيرا إقناع القبطان باشا والباب العالي بأن من الخير الرضا ببقائه في ولايته والتسليم بالأمر الواقع، ولقد عانى الباشا صعوبات ومتاعب كثيرة أثناء ذلك كله مبعثها خصومة «مسيت» الشديدة له، ولو أن الأخير لقى في الوكيل الفرنسي «دروفتي» رجلا لا يقل عنه صلابة وعنادا، ويعمل على إحباط كل تدابيره ومشروعاته.
فكانت الشهور الثلاثة التالية فترة تجربة وامتحان قاسيين لمحمد علي، ولكن الباشا لم يلبث أن اجتازها بنجاح، وفشل القبطان باشا في مهمته، وأسفر هذا النضال الشديد عن تثبيت محمد علي في ولايته.
अज्ञात पृष्ठ