मिर्क़ात माफ़ातीह
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
प्रकाशक
دار الفكر
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
प्रकाशक स्थान
بيروت - لبنان
١٠٧ - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ») رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٠٧ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»)، أَيْ: أُمَّةِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ بِقَدَرِهِمْ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمَجُوسِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهَيْنِ: خَالِقُ الْخَيْرِ، وَهُوَ يَزْدَانُ، وَخَالِقُ الشَّرِّ، وَهُوَ أَهْرِمَنْ؛ أَيِ: الشَّيْطَانُ، وَقِيلَ: الْمَجُوسُ يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنْ فِعْلِ النُّورِ، وَالشَّرُّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ، كَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنَ اللَّهِ، وَالشَّرُّ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمِنَ النَّفْسِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لِإِحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ مَذْهَبًا يُشْبِهُ مَذْهَبَ الْمَجُوسِ مِنْ وَجْهٍ؛ هُوَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ الْكَائِنَاتِ أَعْيَانًا وَأَحْدَاثًا إِلَى إِلَهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ، وَالثَّانِي: لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا مَا هُوَ شَرٌّ، وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ يُشْبِهُ ذَلِكَ لَكِنَّ فِي الْأَحْدَاثِ لَا الْأَعْيَانِ؛ لِإِضَافَتِهِمُ الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ، وَالشَّرَّ إِلَى النَّفْسِ اهـ.
وَلَعَلَّهُ مَذْهَبُ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ عَنْهُمْ مَا صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْحَسَنَةَ الَّتِي هِيَ الْخِصْبُ وَالصِّحَّةُ، وَالسَّيِّئَةُ الَّتِي هِيَ الْقَحْطُ وَالْمَرَضُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الطَّاعَةُ فَمِنَ الْعَبْدِ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ لَطَفَ بِهِ فِي أَدَائِهَا وَبَعْثِهِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعَلَى هَذَا فَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِمْ مَجُوسًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ هَذَا تَعَدُّدُ الْإِلَهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الطَّاعَةِ غَيْرُ الْبَاعِثِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَرَّرَ.
(«إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ»): النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ، وَتَقْبِيحُ اعْتِقَادِهِمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِهِمْ. وَعَلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ حَكَمَ بِكُفْرِهِمْ؛ إِذِ الْفَاسِقُ لَا مَنْعَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي شُهُودِ جِنَازَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَضْلًا عَنْ كُفْرِهِ يَمْنَعُ عَنْ عِيَادَتِهِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا، فَإِنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَشُهُودِ جِنَازَتِهِمْ، وَخَصَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمُ وَأَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنَّهَا حَالَتَانِ مُفْتَقِرَتَانِ إِلَى الدُّعَاءِ بِالصِّحَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُمَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ): وَكَذَا الْحَاكِمُ
١٠٨ - وَعَنْ عُمَرَ ﵁؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٠٨ - (وَعَنْ عُمَرَ): ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ»): بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ: لَا تُوَادِدُوهُمْ، وَلَا تُحَابُوهُمْ، فَإِنَّ الْمُجَالَسَةَ وَنَحْوَهَا مِنَ الْمُمَاشَاةِ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَحَبَّةِ وَأَمَارَاتِ الْمَوَدَّةِ، فَالْمَعْنَى لَا تُجَالِسُوهُمْ مُجَالَسَةَ تَأْنِيسٍ وَتَعْظِيمٍ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ إِمَّا أَنْ يَدْعُوَكَ إِلَى بِدْعَتِهِمْ بِمَا زَيَّنَهُ لَهُمْ شَيْطَانُهُمْ مِنَ الْحُجَجِ الْمُوهِمَةِ، وَالْأَدِلَّةِ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي تَجْلِبُ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ إِلَيْهِمْ بِبَادِيَ الرَّأْيِ، وَإِمَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْكُمْ مِنْ نَقْصِهِمْ وَسُوءِ عَمَلِهِمْ مَا يُؤَثِّرُ فِي قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ؛ إِذْ مُجَالَسَةُ الْأَغْيَارِ تَجُرُّ إِلَى غَايَةِ الْبَوَارِ وَنِهَايَةِ الْخَسَارِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩] وَلَا يُنَافِي إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ تَقْيِيدَ الْآيَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠] وَكَذَا قَوْلُهُ ﷿ ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨] فَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ؛ فَيُمْنَعُ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ مُطْلَقًا، وَالْآيَةُ عَلَى مَنْ أَمِنَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي مُجَالَسَتِهِ لَهُمْ بِغَيْرِ التَّأْنِيسِ، وَالتَّعْظِيمِ مَا لَمْ يَكُونُوا فِي كَفْرٍ، وَبِدْعَةٍ، وَكَذَا إِذَا خَاضُوا وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ وَتَسْفِيهَ أَدِلَّتِهِمْ، وَمَعَ هَذَا؛ الْبُعْدُ عَنْهُمْ أَوْلَى، وَالِاجْتِنَابُ عَنْ مُبَاحَثَتِهِمْ أَحْرَى
1 / 182