مَا فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ العربي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ اللَّهُ وَلَكِنْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ صَنَّفَهُ جِبْرِيلُ أَوْ مُحَمَّدٌ، أو قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ فِي الْمَصَاحِفِ كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؛ فهذا أَيْضًا مُخْطِئٌ ضَالٌّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَام الله، وَالْكَلَامُ نَفْسُهُ يُكْتَبُ فِي الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُكْتَبُ اسْمُهَا وَذِكْرُهَا، فَالرَّسُولُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ذِكْرُهُ وَنَعْتُهُ (وكتابة المسميات) كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [وَكَمَا أَنَّ أَعْمَالَنَا فِي الزُّبُرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾] وَقَالَ: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾.
فَمُحَمَّدٌ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَكَمَا أَنَّ أَعْمَالَنَا فِي الْكُتُبِ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ نَفْسُهُ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ لَيْسَ الْمَكْتُوبُ ذِكْرُهُ وَالْخَبَرُ عَنْهُ، كَمَا يُكْتَبُ اسْمُ اللَّهِ فِي الْوَرَقِ، وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كِتَابَةِ الْأَسْمَاءِ وَالْكَلَامِ وَكِتَابَةِ الْمُسَمَّيَاتِ وَالْأَعْيَانِ - كَمَا جَرَى لِطَائِفَةٍ مِنْ النَّاسِ - فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا سَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا قَدْ يَجْعَلُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ شَيْئًا وَاحِدًا كَمَا قَدْ جَعَلُوا جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ مَعْنًى وَاحِدًا، وَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ يُسْمَعُ تَارَةً مِنْهُ، وَتَارَةً مِنْ الْمُبَلِّغِ عنه. فَالنَّبِيُّ ﷺ لَمَّا قَالَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» فَهَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، فَلَفْظُهُ لَفْظُ الرَّسُولِ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الرَّسُولِ، فَإِذَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ
1 / 101