الرابعة مع شدة حرصهم عليها، فيروي ابن النديم خبرا طريفا عن رجل جَمّاعة للكتب له خزانة لم ير لأحد مثلها بما جمعت من خطوط العلماء الأولين ونوادر الكتب والرقاع، فهي متحف كل ما فيه نادر وثمين، قال الذي شاهدها:
"ورأيت عنده أمانات وعهودا بخط أمير المؤمنين علي ﵇ وبخط غيره من كتاب النبي ﷺ، ومن خطوط العلماء في النحو واللغة مثل أبي عمرو بن العلاء وأبي عمرو الشيباني والأصمعي وابن الأعرابي وسيبويه والفراء والكسائي، ومن خطوط أصحاب الحديث مثل سفيان بن عيينة وسفيان الثوري والأوزاعي وغيرهم، ورأيت ما يدل على أن النحو
_________
= ليس فيه تعريف ولا تقسيم، إنما هو تفسير آية أو جمع لأحاديث ليس فيها ترتيب ولا تبويب، فأما تعريف وأما تقسيم منطقي فليس في شيء مما صح نقله إلينا عن عصر علي وأبي الأسود، وأخشى أن يكون ذلك من وضع بعض الشيعة الذين أرادوا أن ينسبوا كل شيء إلى علي، وأتباعه". ضحى الإسلام ٢/ ٢٨٥.
وأنا مع عدم استبعادي كثيرا صدور كلام مثل هذا عن أبي الأسود بعد موت علي بسنين حين اعتزل العمل الرسمي وفرغ لمثل هذه الشئون، لا أطمئن إلى ما روى ابن الأنباري.
حتى ابن فارس الذي ذهب إلى قدم النحو قبل زمن أبي الأسود بكثير لا ينكر إمامته وتجديده، فقد قال: "فإن قال قائل: لقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أول من وضع العربية، وأن الخليل أول من تكلم في العروض، قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول: إن هذين العلمين قد كانا قديما وأتت عليهما الأيام وقلا في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان" الصاحبي في فقه اللغة ص١٠ ونقله بنصه السيوطي في المزهر ٢/ ٣٤٥.
لكي أقف عند قولة المبرد "قرأت أوراقا من كتابي عيسى بن عمر فكان كالإشارة إلى الأصول" وأقول: إذا كانت كتب الطبقة الثالثة هذه كالإشارة إلى الأصول، فما حال نحو أبي الأسود! "توفي أبو الأسود سنة ٦٧ وعيسى بن عمر سنة ١٤٩هـ". انظر نزهة الألباء.
1 / 30