मिन नकल इला इब्दाच शरह
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
शैलियों
66
وعند أفلاطون نوع الإنسان ليس هو المجموع من الهيولى والصورة ولكن الصورة نفسها لها وجود مفارق خارج الإنسان الجزئي وسبب وجوده، كما أن الأعداد لها وجود مفارق عن الأشياء المتعددة. كما نص في كتابه «فيدون» على أنها ليست أسباب الكون والفساد؛ ومن ثم لا كون ولا فساد. ويفند أرسطو وشراحه هذا الموقف الأفلاطوني بالإحالة إلى محاورته مثل فيدون. ويعرض ابن رشد ذلك عرضا تاريخيا موضوعيا هادئا رصينا، الصور هي الأعداد. فالوحدة هي النقطة. والثنائية الخط، والثلاثية السطح، والرباعية الجسم. والأعظام الهندسية عند أفلاطون ليست مبادئ للأجسام مع الأعداد. فالواحد جوهر الهويات عند أفلاطون وفيثاغورس في حين أنه موضوع عند أنبادقليس مثل العناصر الأربعة. وهي الجوهر الكلي لجميع الموجودات المشترك بينها، ويعقد أرسطو فصلا خاصا لعرض الحجج التي توجب أن تكون الكليات أمورا موجودة عند أفلاطون وفيثاغورس ولها طبع واحد. الواحد والوجود لا يدلان على مركب بل على واحد كما تدل عليه الأسماء المشتقة.
67
ويطيل ابن رشد عرض النقاش بتكرار ممل ودون اختصار وتركيز. فهناك نص أرسطو وشرح الإسكندر وتلخيص ثامسطيوس وشرح ابن رشد على فكرة رئيسية واحدة وهي نفي الوجود الفعلي للصور الأفلاطونية والأعداد الفيثاغورية، الواحد لديهم جوهر موجود في الخارج غير الجوهر المادي المحسوس الذي يقول به أنصار العلم الطبيعي واعتبروه أحد العناصر الأربعة. وهو ليس بكائن ولا فاسد إلا بالعرض عندما يفنى الشيء ولكنه بالذات باق، وكذلك الصورة مثل الوجود الواحد لها وجود سابق على المادة، قائمة خارج النفس، موجودة بذاتها عند أفلاطون في حين أنها عند أرسطو مستقرأة من الجزئيات كما هو الحال في كتاب «البرهان». وهي مادة العلوم ومتقدمة على الموجودات؛ لذلك كانت الرياضيات أساسا للعلوم إذا ارتفعت الكليات ارتفعت الجزئيات، وإذا ارتفعت الجزئيات لم ترتفع الكليات. فالمنطق مثل الرياضة علم سابق على الموجود، نظر في المبادئ العامة للأجسام. وقد انتهى ذلك كله إلى الجدل نتيجة للاعتقاد بوجود أمور خارجة عن النفس وعن طبيعة الشيء مما جعله غير مطابق للإقناع أو الموجود؛ ومن ثم تكون الأقاويل خارج المنطق. الإنسان واحد بالعدد كثير بالقوة. وقد وافق أصحاب العلم الطبيعي مثل أنبادقليس الفيثاغوريين وأفلاطون في أن اسم الواحد والموجود يدل على طبائع واحدة بسيطة، جعلها أفلاطون الصور العددية. وهي كلية أساس العلوم الضرورية. فالصور أساس نظرية المعرفة ونظرية الوجود في آن واحد. هي جوهر واحد، لا يكون ولا يفسد، غير محسوس، ليس لها فناء في الكون. القول بالصور نظرية في المعرفة كما هي نظرية في الوجود. فلو لم تكن الصور موجودة وكان كل ما يظهر حقا لما كان هناك فرق بين العلم والجهل، ولما كان هناك علم بالمنطق وبالمقولات وبالقضايا وبالقياس، ولاقتصر الناس على العلم بالجزئيات، ولصحت الأقوال السوفسطائية التي تقتصر على الأعراض مما اضطر أفلاطون إلى إلقائها ولم يجعلها داخلة في الوجود والجوهر.
68
والخلاف بين أفلاطون وأرسطو في المحرك. فعند أفلاطون المحرك هو المتحرك وعند أرسطو المتحرك غير المحرك لا يتحرك. وهنا يبدو أفلاطون أكثر علمية بتحليل الحركة بمبدأ ذاتي بينما يبدو أرسطو أكثر دينية بالقول بمحرك خارجي لا يتحرك. وإذا كانت الصور والأعداد والجواهر مفارقة فلا يمكن أن تكون عللا فاعلة أو محركة؛ ومن ثم تكون حركة الموجودات عبثا. الصور مثل، والمواد لا تتحرك دون محرك؛ لذلك آثر البعض مثل أفلاطون ولوقبس وديموقريطس أن يجعل للحركة وجودا خارجا عن الصور. فوضعوا قبل العالم حركة دائمة غير منتظمة ثم حولها الله إلى نظام عند أفلاطون وإلى حركة الأجزاء في الخلاء عند لوقبوس، ولكن كيف تكون هذه الحركة الدائمة قبل العالم ممكنة دون مبادئ محركة ذواتها؟ يرد أفلاطون بأن الله خلق الملائكة بيده ثم وكلها خلق الحيوانات. وبقي هو مستريحا، وهو لغز لا يليق بالحق. يحكم ابن رشد بتصوره الإسلامي للخلق على تصور أفلاطون. ثلثه مسيحي في خلق شيء، وثلثه يهودي في الإشراق، وثلثه يوناني في الكمون. ويستعمل ابن رشد لغة الموروث مثل البارئ، الملائكة، الحق؛ للتعبير عن تصور الوافد.
69
ويذكر ابن رشد فيثاغورس والفيثاغوريين وآل فيثاغورس مع أفلاطون في نظرية الأعداد كأصل لوجود الأشياء كما قال أفلاطون في الصور المفارقة. فالواحد أصل كل شيء في مقابل الطبائعيين الأوائل الذين قالوا بجوهر مادي لتفسير أصل الكون مثل المحبة عند أنبادقليس أو واحد العناصر الأربعة مثل النار والماء والهواء عند آخرين، فهل الواحد العددي هو الواحد الذي هو الجوهر الواحد؟ وهي مشكلة الكليات والجزئيات، الاستنباط والاستقراء، عالم الأذهان وعالم الأعيان. الأعداد مبادئ الموجودات لا من جهة أنها صور أفلاطونية بل من جهة أنها عناصر الموجودات التي منها تتكون. ويلزم الأفلاطونيين والفيثاغوريين معا أن تكون لهذه الصورة صورة واحدة، ولهذه الأعداد عدد واحد، فلا يكون هناك فرق بين الموجودات، فالنظرية تفسر الوحدة ولا تفسر الكثرة، وتذكر مبدأ التفرد. هل الواحد جوهر بذاته أم في موضوع؟ الأول إجابة فيثاغورس والثاني إجابة أنبادقليس. ولا يكتفي الفيثاغوريون بالقول بالأعداد بل إنهم جعلوا الأعداد أصل الموجودات. قالوا ذلك على طريقة التشبيه أي مجازا لا حقيقة على ما هو معروف في تحليل اللغة في علم الأصول. ويدقق ابن رشد في التاريخ، ويشرح عبارة الإسكندر، ويتحقق من قول شبيه بقول الفيثاغوريين من أن الأعداد سبب جوهر الأشياء، وهم أصحاب الجزء الذي لا يتجزأ تحقيقا للمناط. ويضع ابن رشد الفيثاغوريين في تاريخ الفكر اليوناني مع الأفلاطونيين القائلين بالصور المفارقة والطبائعيين القائلين بالجواهر المادية راصدا أوجه التشابه والاختلاف بين التيارات الثلاثة بروح المؤرخ الدقيق وبمنهج القاضي الحصيف. يوافق الفيثاغوريون الطبيعيين على القول بالمبدأين ولكن ليس على نفس النحو مع الشخص أم المجموعة؟ الأقرب مع الشخص لأن المجموعة تاريخية مثل القدماء أو مذهبية مثل الطبيعيين؛ فالفيثاغوريون وسط بين الأفلاطونيين والطبيعيين لأنهم يعترفون بالوجود الطبيعي للأشياء ويفسرونها تفسيرا رياضيا لا يقضي عليها، في حين أن الأفلاطونيين يعتبرون الأشياء وهما خادعا؛ لأن حقيقتها في الصور المفارقة. كلاهما يتفق في الهوية والواحد المشاركين في الطبع والبساطة. أما أصحاب العلم الطبيعي مثل أنبادقليس فإنهم اتفقوا مع أفلاطون والفيثاغوريين على أن اسم الهوية والواحد يدلان على طبائع واحدة وبسيطة. وقالوا في طبيعته قولا أوضح ولكن الصعوبة عند الفيثاغوريين أنهم جعلوا الواحد العدد.
70
ومثل أعداد فيثاغورس وصور أفلاطون هناك واحد بارميندس؛ فالواحد والوجود يدلان على شيء واحد حتى نفى بارمنيدس الكثرة وقال بالوجود البسيط الواحد غير العنصر. وخطؤه أنه لم يفرق بين اسم الموجود الدال على الواحد بالعدد والدال عليه بالجنس، فاعتقد أن الوجود كله واحد بالعدد؛ لذلك نفى بارمنيدس الكثرة والأسطقسات. والصعوبة هو تفسير كيفية صدور الكثرة من الوحدة، والمركب من البسيط إلا أن يكون اضطرارا كما قال بارمنيدس. هذه الشكوك كانت لازمة للقدماء لأنهم لم يفهموا من الواحد إلا معنى واحدا على التواطؤ، الواحد الكلي والواحد الجزئي أي أنهم لم يكونوا يعرفون الأسماء المتواطئة كما هو الحال في تحليل اللغة في المنطق في مبحث العبارة وفي مبحث الألفاظ في علم الأصول. لفظ الواحد يقال على معاني كثيرة ، ويشارك مالسيس بارمنيدس في القول بأن الوجود واحد. ومع ذلك يقول بارمنيدس إن العقل يخص الناس على قدر مزاج الأعضاء. فهو ميتافيزيقي مثالي في الوجود، ومادي طبيعي في الإنسان.
अज्ञात पृष्ठ