ثم اصطنعت مستر روبرت ...
ذلك خادم يؤمر فيطيع، له لسان لا ينم، وعين لا تنظر، وأذن لا تسمع؛ وإن له لعقلا، ولكن مفتاح عقله في يد سيدته؛ هذه أزرار عدة في صدره، هي مفاتيح أعصابه، وهي منافذ حسه؛ تعرك زرا فيروح، وتعرك آخر فيرجع، وتدير مفتاحا فيهيئ المائدة، وتدير آخر فيرفعها، إنه لإنسان من فولاذ، ولكن له عقلا من مطاط؛ مرهف الحسن كأنه وحيد أبويه، سريع الجواب كأنه الصدى، قريب المآب كأنه من جن سليمان!
أتراها قد رضيت وقرت عينا بخادمها الجديد فنسيت به مساوئ الخدم؟ إنها لتبدو به مغتبطة سعيدة!
ومضى زمان، ونسيت إنصاف عصاها وإن لها لآثارا ماثلة على ظهور وسواعد؛ ولم تحم الملعقة على النار بعد، وإن لها لمياسم باقية في أيد وأرجل ...! ولكن فتيانا وفتيات لم ينسوا ما صنعت بهم إنصاف، فإنهم ليقذفونها على البعد بالدعوات والمنتقم يسمع!
وجاء يوم الجزاء؛ وكانت إنصاف في فراشها مثقلة، ودعت مستر روبرت فلبى، وطلبت فنجانة شاي، ولكنها أخطأت المفتاح؛ وذهب مستر روبرت ثم عاد يحمل مكنسة؛ واهتاجت إنصاف واعتادها داؤها، فبذأت وأفحشت؛ وعادت تدير مفتاح الآلة فأخطأت، وألقى مستر روبرت في وجهها بالمكنسة!
وفار دمها فنهضت من فراشها، وكأنما همت أن تتناول العصا فتذكرت؛ فرمته بالمكنسة وأقبلت عليه مهتاجة تعرك أزراره آمرة؛ وأصابته المكنسة في صدره فتحركت مفاتيح جنونه، وأطبق على عنقها بيديه، فصرخت ...
وبدا في عينيها المذعورتين كأنه شبح آثامها ينتقم، وتراءى لها في دوار الاختناق كل ماضيها يطل من عينيه الجامدتين، وقعقع في أذنيها صوت مفزع كأنه جلبة حشد ثائر منتقم، وسقطت بين يديه الفولاذيتين لا تعي.
ولما أفاقت بعد ساعات، وجدت نفسها في فراشها مثقلة بالأربطة والضمائد، وعند قدميها فتاة، وحطام مستر روبرت في زاوية الغرفة، كأنه أشلاء معركة!
وتذكرت ما كان منذ رمت بالمكنسة في وجه الآلة حتى صرخت فسقطت؛ وعادت تنظر إلى الفتاة التي عند قدميها تستوضحها بقية ما كان، فبعد لأي ما عرفتها؛ إنها واحدة من عشرات الخدم اللاتي كن يعملن في دارها، وطالما آذتها وضربتها؛ ترى ماذا جاء بها الساعة ولم ترها منذ بعيد؟
وأحست الفتاة حركة السيدة، فأسرعت إليها، وجلست تقص عليها ... «... ودخلت على صراخك يا سيدتي فرأيت، وخلصتك من بين يديه ولكن بعدما صار حطاما ... وقد خرج الطبيب منذ لحظات، وخرج معه سيدي!»
अज्ञात पृष्ठ