إلى المدرسة، لا أستطيع التأخر عنها ولو طحنتني الأوجاع أو أحرقتني الحمّى، لأن المعلم لا يسمح له القانون أن يمرض في أيام المدرسة وعنده أربعة أشهر «عطلة الصيف» يستطيع أن يمرض فيها، فإذا خالف ومرض حُرم الراتب ومُنع العطاء (١)!
أغدو إلى المدرسة فأدخل على تلاميذ السنة الثالثة الأولية، وهؤلاء هم تلاميذي لم يجدوني أهلًا لأكبر منهم ... فلا أنفكّ أقطع من عقلي لأكمل عقولهم، وأمزّق نفسي لأرقّع نفوسهم، ثم لا أُفلح في تعليمهم ولا أنجح في تفهيمهم ولا أدري من أين السبيل إلى مداركهم، فأنفق ساعة كاملة أقلّب أوجهَ القول وأستقري عبارات اللغة، لأفهمهم كيف يكون «الاسم هو الكلمة التي تدل على معنى مستقل في الفهم وليس الزمن جزءًا منه»، فلا يفهمون من ذلك شيئًا، ولا أقدر أن أطرح هذا التعريف السخيف أو أستبدل به، فأهذي ساعة ثم أقول: مَن فهم؟
فيرفع ولد أصبعه، فأحمد الله على أن واحدًا قد فهم، وأقول: قم يا بني بارك الله فيك، فأخبرني عن معنى هذا التعريف.
فيقول: يا أستاذ! هذا داس قدمي.
فأصيح به: ويحك أيها الخبيث! إني أسألك عن تعريف الاسم، فلماذا تضع فيه قدمك؟ ألم أقل لكم إن هذه الشكاوى ممنوعة أثناء الدرس؟
فيقول: ولماذا يدوس هو على رجلي؟!
_________
(١) كان هذا قانون تلك الأيام.
1 / 73