هذا شيئًا ولا ينظر فيه) عمدت إلى دفتر تحضير الدروس (وهو الموت الأحمر والبلاء الأزرق الذي صُبَّ علينا هذا العام صبًا) فكتبت فيه ماذا أنا فاعل غدًا في الفصل، دقيقة دقيقة ولحظة لحظة ... وماذا أنا قائل من كلمة، أو مقرر من قاعدة، أو ضارب من مَثَل. حتى إذا بلغت آخر كلمة فيه استنفدت آخر قطرة من ماء حياتي، فسقطت في مكاني قتيلًا فحُملت إلى السرير حملًا ... فنمت نومًا مضطربًا ملؤه الأحلام المزعجة والصور المرعبة، فأحسُّ كأن أمامي ركام الدفاتر التي سأصححها غدًا، فلا أنجو منها حتى أبصر المفتش يتكلم من فوق المآذن، فلا يدع قاعدة من قواعد التربية ولا نظرية من نظريات التعليم ظهرت في فرنسا أو إنكلترا إلاّ أرادني على تطبيقها، في فصل فيه سبعون تلميذًا قد حُشيت بهم المقاعد حشوًا وصُفّوا على الشبابيك ووُضعوا على الرفوف، مما لا يرضى عنه منهج من مناهج التربية ولا قانون من قوانين الصحة. فإذا انمحت هذه الصورة رأيتُ كأني أُفهم تلميذًا وهو يصغي إليّ ولا يفهم، فأكرر وأعيد فلا يفهم، فأقوم إليه أنظر ما يصنع، فإذا هو منصرف إلى دُبَيرة (١) يربط رجلها بخيط. فإذا شتمته أو أخرجته من الفصل ذهب يستنجد القانون، فينجده القانون الذي حرّمَ العقوبات كلها، وكفّ يد المعلم وشدّ لسانه بنسعة ... ولا أزال في هذه الأحلام، تنوء بي فأتقلب من جنب إلى جنب، أحس كأن رأسي من الصداع بثقل أُحُد، حتى يصبح الله بالصباح، فأفيق مذعورًا أخشى أن يسبقني الوقت، فلا أدري كم ركعت وكم سجدت، ولا كيف أكلت ولبست، وأهرول
_________
(١) زُلقطة.
1 / 72