आस्था से क्रांति तक (1): सैद्धांतिक परिचय
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
शैलियों
رابعا: النظر يفيد العلم
لما كان العلم قسمين: علم ضروري وعلم استدلالي، أصبح النظر طريقا للعلم. فالاستدلال يقوم على النظر، وشهادة الحس وأوائل العقول ومعطيات الوجدان كلها تستخدم في الاستدلال والنظر. فما النظر؟ (1) تعريف النظر
أعطى القدماء تعريفات عديدة للنظر؛ فالنظر هو «الفكر الذي يطلب به علم أو غلبة ظن.» وقد أثيرت حول هذا التعريف عدة إشكالات خاصة بالظن؛ لأن الظن غير المطابق جهل، والجهل لا يطلب، ولأن الظن غير أصل الظن، ولأن هذا التعريف ليس للماهية بل لأقسامها. والفكر لفظ زائد يمكن الاستغناء عنه. والحقيقة أنه تعريف مقبول لأن باقي التعريفات مذهبية خالصة، مثل: «اكتساب المجهول بالمعلومات السابقة» أو «ترتيب أمور معلومة أو مظنونة للتأدي إلى آخر»، وهو تعريف غير جامع كما أنه يصح لمطلق النظر وليس للصحيح منه، ويكون أشبه بالاستدلال. وقد تحول هذا التعريف في علم أصول الدين المتأخر إلى تعريف منطقي، فأصبح إحضار أصلين في الذهن وطلب التفطن إلى حصول أمر ثالث منهما؛ أي ترتيب تصورات للحصول على تصديقات. وقد يكون هو مجرد التوجه إما بتجريد الذهن عن الغفلات أو بتحديق العقل في المعقولات. الأول تحريك عدمي والثاني وجودي. وهو وصف لنشاط الذهن وتجرد الشعور، وليس للنظر ذاته؛ إذ إن النظر لغة هو الإبصار. الأول موجه نحو الداخل والثاني نحو الخارج. الأول تنبيه للذات ويقظة لها من غفلتها، والثاني توجيه لها نحو الموضوع وقصدها إليه. والانتظار لا يعني حضور الشيء من الخارج، بل قد يعني حضوره في الشعور. وقد يعني العطف والرحمة لا بمعنى خلقي بل بمعنى معرفي. وقد يعني المقابلة، مقابلة الذات للموضوع أو التفكر بالقلب؛ أي اكتشاف الموضوع في الشعور. النظر إذن تحول الموضوع من البصر إلى الشعور، ومن الرؤية الخارجية إلى الرؤية الداخلية. النظر حياة الشعور، والموضوع الخارجي ما هو إلا الباعث على النظر وليس جزءا من النظر بعد أن يتحول الموضوع الخارجي إلى موضوع داخلي. النظر حركتان للنفس: الأولى نحو المطلوب قصدا وغاية؛ أي اتجاه من الذات نحو الموضوع، والثانية من المطلوب ترتيبا ومراجعة اتجاها من الموضوع نحو الذات. الأولى من أجل الحصول على المادة، والثانية من أجل الحصول على الصورة. العلم الحاصل من النظر علم شعوري يتم في الشعور، ويشمل الشعور الحس للحصول على المادة، والعقل لتحليلها. النظر إذن هو حال الناظر وعمل شعوره، كما أن العلم حالة العالم وعمل شعوره، وكما أن الإرادة حال المريد، والفعل حال الفاعل. لا يعني الحال مجرد حديث داخلي للنفس، بل يعني خروج هذا الحديث على مستوى التأمل والتفكر، حال طمأنينة النفس وسكونها إلى ما تعتقد بعد البحث والبرهان.
1 (2) قسمة النظر
ينقسم النظر إلى صحيح وفاسد. ولما كان لكل نظر صورة ومادة؛ أي كيفية ترتيب المقدمات ثم المقدمات ذاتها، فقد يفسد النظر من خطأ في الصورة أو من خطأ في المادة أو من خطأ في كليهما. والنظر الصحيح هو كل ما يؤدي إلى العثور على الوجه الذي منه يدل الدليل. فصحة النظر من صحة الدليل. وكل فساد يطرأ على الدليل يطرأ على النظر. وفي علم أصول الدين المتأخر عندما تتحول نظرية العلم إلى نظرية في المنطق يصبح النظر صحيحا بصحة مادته وصورته. يصح النظر إذا ما أدى إلى معرف في التصور وإلى دليل في التصديق. وصحة مادة التصور أي المعرف أن يكون الجنس جنسا والفصل فصلا، وأن يكون الحد التام من الجنس والفصل القريب، وهي شروط الحد التام. وصحة الصورة أن يتقدم الأعم على الأخص. ويصح النظر في التصديق إذا كانت المقدمتان في حادثة متناسبتين للمطلوب قطعا أو ظنا أو فرضا. ويصح في صورته إذا كانت على ما هو موصوف في أبواب القياس والاستقراء والتمثيل. وهنا تتحول نظرية الصدق في العلم إلى نظرية الصدق في المنطق، فيحتوي على المنطق، وهو من علوم الحكمة، علم العقائد، وهو علم أصول الدين. وأحيانا تستعمل لغة المطابقة دون تحديد طرفي التطابق هل هما الفكر مع نفسه أم الفكر مع الواقع.
2
وقد ينقسم النظر إلى خفي وجلي؛ وبالتالي يكون النظر في حاجة إلى منهج في الإيضاح.
3
تتفاوت مراتب النظر في الوضوح؛ هناك الجلي الواضح الذي يلوح من غير بحث، يدركه الناظر البعيد والقريب. وهناك النظر الخفي وهو ما يدق ويتخصص، ولا يدركه إلا الناظر الداني. وهي القسمة الأصولية المعروفة للقياس إلى الجلي والخفي. وذلك طبيعي في حركة العلم في الشعور وسكون النفس إليه. قد يكون هناك نظر خفي يحتاج إلى تدقيق، وهنا تأتي مهمة الإيضاح كفعل من أفعال الشعور لتوضيح الخفي، وتحويله إلى جلي. والخفاء والجلاء مقولتان من حيث درجة البداهة ومستوى الحدس. الجلي يستند إلى الضروري استنادا مباشرا، والخفي يستند إليه استنادا غير مباشر، ويحتاج إلى مزيد من النظر والبحث والاستدلال. ويوجد الجلاء والخفاء إما في الصورة أي في طرق الاستعمال وإما في المادة أي في مقدمات الاستدلال، وتفاوتها في مستوى التجريد. ومع ذلك أنكر بعض القدماء قسمة النظر إلى جلي وخفي؛ لأن النظر لا يكون جليا أو خفيا؛ النظر مجرد آلة أو وسيلة تؤدي إلى نتيجة أو غاية. الجلاء والخفاء يوجدان في الدليل أو في الشبهة دون البحث والنظر. وكما لا يوصف النظر عند القدماء بالجلاء والخفاء كذلك العلم، لأن العلم ضد الخفاء. ولا يوجد علم أبين من علم، لا فرق في ذلك بين العلم الضروري والعلم النظري أو بين علوم الأنبياء وعلوم الصديقين وعلوم البشر. ومع ذلك، لما كان العلم يشمل بداية وهو التصور، ونهاية وهو التصديق، ومسارا وهو سكون النفس، فإن حركة العلم تتم باستمرار بأفعال الشعور، ويتراوح بين الجلي والخفي. وتكون من مهام الشعور عملية الإيضاح المستمرة من أجل الحصول على الجلي الدائم؛ فيحدث اليقين في العلم وتطمئن النفس. لا يكون الخفاء والجلاء في العلم من حيث هي نتيجة، بل من حيث سكون النفس إليه ومن حيث بداهة الرؤية. فالمقصود هنا نظرية العلم أو علم العلم وليس العلم في ذاته من حيث هو مجموعة من النتائج والقوانين. قد يتفاوت الخفاء والجلاء من لحظة إلى أخرى، ومن تجربة إلى أخرى، ومن فرد إلى آخر. وفي العلوم الضرورية تتفاوت البداهة الحسية والعقلية والوجدانية بين القوة والضعف أو بين الوضوح والخفاء، ويكون التفاوت هنا في الدرجة لا في النوع. (3) النظر الصحيح يفيد العلم
بالرغم مما يبدو على ذلك من تحصيل حاصل، إلا أنه في حاجة إلى إثبات؛ نظرا لأن العلم ضروري ونظري، وردا على احتمال الوقوع في الدور؛ نظرا لإثبات العلم النظري بالنظر.
अज्ञात पृष्ठ