आस्था से क्रांति तक (1): सैद्धांतिक परिचय
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
शैलियों
وإثبات العلم الضروري كشرط للعلم وكنقطة يقينية أولى «لأن المطلوب إما مشعور به، فلا يطلب، أو غير مشعور به، فيطلب.» يجعل العلم كله درجة واحدة من اليقين. قد يكون المطلوب في البداية شعورا عاما أو افتراضا أو ظنا أو وهما أو شكا أو تخيلا، ثم يتحقق بعد العلم النظري ويصبح علما يقينيا؛ فالشيء قد يكون معلوما من وجه ومجهولا من وجه. إن إثبات العلم الضروري وحده كبداية أولى؛ لأن الماهية لا تعرف إلا بنفسها، وهذا يتطلب تصورها مسبقا أو بأجزائها، وهي لا تعرف إلا بعد معرفة الكل الذي تنطوي تحته أو في الخارج، وهو لا يمكن معرفته إلا إذا كان شاملا لكل الأفراد مما يحتاج إلى تصور مسبق، افتراض خالص يقوم على تركيب الماهية، في حين أنها كل بسيط لا وجود له في الخارج إلا على سبيل الاختصاص. كما أن معرفة الماهيات أحد أنواع المعارف بالإضافة إلى بناء الماهيات الذي يحتاج إلى استدلال وعلم نظري. إن إثبات العلوم الاستدلالية ضد أصحاب المعارف القائلين بالعلوم الضرورية والمعارف القطعية إنما يتم من خلال العلوم الضرورية ذاتها. فلا يوجد علم بلا مبادئ أولية؛ وبالتالي ينتفي الجهل. وإذا انتفت المبادئ، كان الجهل ضروريا ونفي العلم. كما يقتضي التكليف العلم بالمبادئ الأولية، فلا يكلف على جهل. والتكليف بالمعرفة قائم على العلم بها ولا يمكن العلم بها نظرا لاحتياج ذلك إلى تكليف يوجب العلم بها ضرورة؛ وبالتالي تستحيل المعرفة ويستحيل التكليف. العلم ضروري وحده بلا علم نظري يدور حول نفسه، ويقع في الدور، ويغلق الذهن معه، ويتحجر العلم.
33
يمكن الجمع بين المعارف الضرورية والنظرية؛ فالأولى «بطبع المحل»، والثاني بكسب الجهد والإرادة. ولا يعني القول بالأولى الانتفاء للثانية، بل وجود مقدمات أولية للنظر. المعارف الضرورية ابتداء من المقدمات الضرورية. النظر وسيلة البرهان، وتحليل الواقع تحليلا معرفيا. يتوقف العلم الاستدلالي الكسبي على العلم الضروري؛ وبالتالي فهو يحتاج إلى روية وتدبر بعد بدايته اليقينية في العلم الضروري. لا استدلال بغير ضرورة ولا ضرورة بغير استدلال، بل يكون الاستدلال ضرورة إذا توافرت له المقدمات الضرورية اللازمة. والعلم الاستدلالي، أيضا علم شعوري؛ فالفكر، والروية، والنظر، والحجة، وامتناع الشك في متعلقه، كلها أفعال شعورية. ليس الاستدلال عملا عقليا صوريا، بل هو نظر القلب أو عمل الوجدان فيما غاب، من ضرورة الحس.
34
تحدث المعرفة الاستدلالية بالقياس، وهي المبادئ التي يتصور العقل طرفيها بواسطة، وهي تعادل الفطريات التي يحكم فيها بواسطة لا تغرب عن الذهن، وهي قضايا قياساتها معها. وإثبات الأصل بقياس يقوم على الحسيات أو العقل أو التواتر.
وكما أن العلم «الإلهي» لا يدخل كنموذج للمعارف الضرورية في هذه المرحلة من تأسيس العلم، فإنه لا يدخل أيضا كموضوع للعلم النظري من أجل إثبات ضرورته. فإذا كانت المعارف الضرورية هي المعارف الفطرية التي يجدها كل إنسان من نفسه، فإنها تكون بمثابة أوليات العلم والتي تقوم عليها نظرية العلم فيما بعد بالنظر كفعل من أفعال الشعور. صحيح أن هذه الفطرة تحتاج إلى بيئة طبيعية تظهر فيها دون تغليب للهوى والمصلحة. ولكن يظل أيضا هذا الاستعداد الطبيعي للفطرة أيضا نتيجة للأفعال الحرة للشعور. وإذا كان العلم الفطري عند البعض دون البعض الآخر ليس نتيجة لتدخل إرادة خارجية، فكذلك العلم النظري؛ نظرا لضرورة وجود مقياس للاختيار وإلا كان الاختيار عشوائيا. لا يمكن أن يكون إلا طبقا لاختيار عادل؛ مما يجعل «الإرادة الخارجية» نفسها تخضع لمبدأ العدل، خاصة إذا نتج عن هذه المعارف الضرورية أو النظرية التكاليف، فيكون من لديه هذه المعارف مكلفا والآخرون غير مكلفين، فيخرق مبدأ العدل مرة ثانية. لماذا لا تخلق المعارف الضرورية للبعض وينتج عنها تكليف، ولا تخلق للبعض الآخر ولا يكون لديهم تكليف؟ وإن كان للذين لم تخلق لديهم المعارف الضرورية «تكليف»، فإنهم يكونون أسوأ حظا ممن لديهم هذه المعارف. وتفعل «الإرادة الخارجية» إيجابا عند البعض وسلبا عند البعض الآخر بلا مقياس للاختيار أو للاستحقاق. إن المعارف الضرورية والنظرية شاملة وعامة لا تعرف تحيزا ولا محاباة. أما العمليات والشرعيات فإنها مشروطة بالإرادة الحرة وبخلق الأفعال وبقانون الاستحقاق. وهذه كلها تالية على مرحلة تأسيس العلم وليست جزءا منه. ولا يمكن أن ندخله في هذه المرحلة من تأسيس نظرية العلم.
35
وإذا كانت المعارف الضرورية لا تحدث إلا بعد نظر واستدلال ، فذلك ما يجعلها خاضعة لأفعال الإنسان الحرة مثل أفعال النظر، وبالتالي لا تكون ضرورية إلا من حيث الاستعداد والإمكان. والقول بأنه ما دامت المعارف تقع بالطبع لا يجوز التكليف بها يفترض أن التكليف يقع فقط من خارج الطبع مع أنه ما دامت المعارف طبيعية يجوز التكليف بها طبيعيا؛ أي عن طريق التكليف الذاتي. الطبع لا يناقض التكليف، وكلاهما لا يناقضان حرية الأفعال. المعارف الطبيعية مثل المعارف «بالتوليد» تعتمد أساسا على طبيعة النفس البشرية وقدرتها على كشف الحقائق المباشرة كالبديهيات أو المتولدة كالاستدلاليات.
36
كما لا يعني القول بالطباع رفض الدواعي والمقاصد؛ فالطبع لا يفعل إلا بعد التنشيط والفاعلية. البواعث حياة الشعور، والقصد بناؤه، والدوافع محركاته. فلا نظر بلا غائبة، والطبع ليس حتميا أو ضرورة عمياء، بل مقدمة للنظر وبداية للغائية؛ لذلك لا يعني القول بالطباع اتباع الشهوات والغرائز والميول، فالطبيعة خيرة، خاصة إذا ظهرت المعارف الطبيعية مع صدق النفس، والتوحيد بين الداخل والخارج، والإحساس بالغاية والهدف، والالتزام بموقف. يعني القول بالطبائع رفض كل ما هو آت من خارج الطبيعة والمناقض لها سواء في المعارف أو في الأفعال، سواء في الإنسان أو في الطبيعة. القول بالمعارف الضرورية إذن مقدمة للنظر وليس نفيا له، ولا فرق في ذلك بين التمكن من النظر وإتيان النظر بالفعل، بين إتيانه مرة واحدة على الانقطاع أو مرات عديدة على الاستمرار. وغالبا ما يكون النظر مستمرا في الأوقات، الأول، والثاني، والثالث ... إلى ما لا نهاية، ما دام «متولدا في الشعور». قد يكون المانع من النظر أحيانا الظروف النفسية والاجتماعية التي يتكون فيها الإنسان، ويكون ذلك في وقت محدود فحسب؛ فالنظر قادر على اختراق الظروف، وإدراك الحقائق.
अज्ञात पृष्ठ