الأمهات منها - كهذه الثلاثة وغيرها - مجالي ومظاهر، فاما له سبحانه ابتداء، كهذه ونحوها من الأسماء الإلهية الذاتية، واما مجالي له ولمجاليه المذكورة من أمهات الأسماء الذاتية والحقائق، والحق سبحانه يستجلى من وراء تعينات سائر الحقائق الكلية والجزئية المضافة إليه سبحانه - بمعنى الاسمية والوصفية - والمضافة إلى غيره، والكل ليس الا شؤون ذاته مع ما بينها من التفاوت في الحيطة والحكم والنقص المتوهم والكمال، فافهم.
وشاهدوا أيضا - أعني الكمل ومن زاحمهم في هذه الشهود - في عين الشهود الأول، ومعه دون مناوبة ولا انفراد، بل جمعا دائما، ان الحق مظهر لاحكام هذه الحقائق من حيث تعيناتها، وتعدداتها يقتضى لها الامتياز بها عن الحق سبحانه من حيث وجوده الواحد المطلق. وانما قلت من حيث الوجود الواحد المطلق من أجل ان المسماة حقائق أسمائية واعيان كونية في حضرة الجمع الاحدى، وبالنسبة إلى حقيقة الحقائق انما هي أحوال لغيب الذات، المعتلى حكمها عن الأسماء والصفات وعن كل وحدة معلومة، وكثرة وتعدد وتعين وظهور وتجل وحجاب ومجلى وغير ذلك - كما لوحت به من قبل -.
وهؤلاء هم الذين شهدوا الحق حق الشهود وعرفوه حق المعرفة بهم - لا به - بعد تحققهم بالشهود والمعرفة الثابتين به سبحانه، والمعرفة والشهود الثابتان له سبحانه أيضا بهم من كونهم يدركون به ويدرك بهم، وأهل هذا المقام لا ينفون العالم على نحو ما ينفيه أهل الشهود الحالي، ولا يثبتونه على نحو إثبات أهل الحجاب مع اعترافهم بالحق سبحانه والعالم، وتمييزهم بين الحق وما سواه.
فتدبر هذا الفصل، فإنك ان فهمته عرفت ان الحقائق المنسوبة إلى الحق من حيث الاسمية والوصفية والمنسوبة إلى الكون كلها من وجه أسماء ذاتية للحق، ومن وجه مجال لذاته، ومن وجه أتم من الوجهين: مجال لذاته - لا مطلقا - بل من حيث مجاليه الكلية و أسمائه الذاتية الكلية، ومن وجه هي احكام وحدته وأحوال غيب ذاته ظهرت لها
पृष्ठ 53