وما زال «قادور» يدارجها في الكلام، ويلطف في حديثه معها حتى ارتفعت الكلفة، واستوثق أحدهما من الآخر، فتدلت «عذراء» إلى الثناء على المرحوم، سوى أنها لم تجد بدا من مصارحة «قادور» بأن صادقا وإن كان بعيد الهمة فإن له نقائص تنزه هو عنها.
في منتصف العشاء تشكى قادور من ألم شديد في معدته، فأشكل على المرأة من شدة الأسف، وانطلقت تعالج فيه كل أنواع الأريج الذي تتعطر به لعلها تقع منها على نوع يصلح لداء المعدة.
وكانت في الوقت نفسه تأسف جد الأسف لكون «هرمس» الكبير لم يبق في بابل، حتى إنها تلطفت فجست ملمس الألم من «قادور»، وقالت له بتودد وشفقة: هل عالجت هذا الداء الوبيل فاستوصفت دواءه؟
فأجابها: إنه ليتزاحف بي أحيانا إلى حافة القبر، ولا يقيلني إياه ويشيع في الصحة إلا دواء واحد؛ هو أن يلصق على جهة الألم أنف رجل لم يمر أكثر من ليلة على موته.
فقالت عذراء: إنه لدواء غريب!
ثم استوت على فكرة فأردفت قائلة: حين يتخطى زوجي عالم الأمس إلى عالم الغد على جسر «شنوار»، هل يعمي عزرائيل السبيل عليه، فلا يستبين موضع خطوه لأن أنفه يكون أقصر في الحياة الثانية منه في الحياة الأولى؟
قالت هذا وأخذت محلقا، وخرجت إلى ضريح زوجها فرطبته بدموعها، ودنت من «صادق» لتبتر أنفه فرأته ممددا في وسط الضريح، في تلك الآونة نهض «صادق» قابضا على أنفه بيد وموقفا المحلق بالأخرى، وقال لها: لا تتحيفي بعد من حق أرملة «كاسر»؛ فإن تعمدك بتر أنفي ليوازي، ولا مرية، تحويل ساقية عن مجراها.
سزوستريس
تعرفون أن لكل امرئ روحا صالحا يرشده ويقود خطاه في مسالك هذه الحياة القصيرة، وهذا الروح لا يبدو لأنظارنا، ولكنه يرافقنا من غير أن نراه.
ومعلوم أن الأرواح الصالحة كانت في الماضي أكثر مؤالفة لنا منها اليوم، تحدثنا وتعيش معنا - ولا سيما مع الملوك - عيشة الأصدقاء الخلص.
अज्ञात पृष्ठ