في أحد الأيام عادت «عذراء» من نزهة، والغضب يجهم أسارير وجهها، وصراخ الدهشة يملأ فمها، فقال لها صادق: ما حل بك يا زوجي الحبيبة؟ ومن يستطيع أن يخرجك عن نفسك؟
فقالت: آواه! لو شهدت ما شهدته لملك عليك السخط كما ملك علي، خرجت لأعزي أرملة «كاسر» الشابة، التي بنت منذ يومين ضريحا لزوجها الشاب على جانب الساقية التي تكتنف هذا المرج. لقد وعدت الآلهة ساعة حزنها أن تلزم الضريح ما جرت مياه تلك الساقية على قدميه.
فقال صادق: فيم الغضب إذن؟ إنها لامرأة وقور تحب زوجها حبا صادقا.
فتأوهت عذراء واستطردت قائلة: آه، لو أنك عرفت أي أمر كان يشغلها ساعة أتيت لزيارتها!
فقال: أي أمر يا جميلتي عذراء؟
فقالت: كانت تحول الماء عن قدم الضريح.
وأرسلت عذراء نفسها على استمطار ألوان الشتائم، وانطلقت تردد كل أنواع المثالب بحق الأرملة الشابة، فلم يرق صادقا هذا النوع من الفضيلة.
وكان لصادق صاحب يدعى «قادور» قسط له في النبل والخلق الكريم، فنزل من نفس عذراء منزلا موفور الكرامة، فوطأ له صادق رحابة بيته وأدخله في عهدته، وقد وثق من أمانته بقدر ما اتسع له لما اتصف به الرجل من حاضر شريف وصيت حسن. أما عذراء فإنها بعد أن صرفت يومين بضيافة صديقة لها في ظاهر المدينة، عادت في اليوم الثالث إلى البيت، ففاجأها الخدم والدموع تنحدر من أجفانهم بأن زوجها قد مات على حين غرة في الليلة نفسها التي خرجت فيها لزيارة صديقتها، وزادوا على ذلك أنهم دفنوا صادقا في ضريح آبائه في طرف الحديقة.
فانطلقت عذراء في البكاء الشديد، وملك عليها الحزن من جميع أقطارها، فأخذت تنتف شعرها وأقسمت ألا تحيا بعده.
في المساء استأذنها «قادور» في التحدث إليها، واستسلما للبكاء معا. وفي اليوم التالي فطرا على مائدة واحدة، وكان بكاؤهما أقل منه في اليوم المنصرم، فأفضى إليها «قادور» أن صديقه ترك له القسم الأوفر من ملكه، وأنه يقف سعادته كلها لاقتسام الثروة بينه وبينها، فبكت المرأة، ثم حزنت، ثم لانت، وتناول العشاء من الوقت أكثر مما تناول الغداء.
अज्ञात पृष्ठ