मेटाफिज़िक्स का एक दृष्टिकोण
موقف من الميتافيزيقا
शैलियों
وهذا هو موقفنا عندما زعمنا أن الجملة الميتافيزيقية التأملية بغير معنى، وإلا فكيف يكون التحقق من صدق قولنا «الخير غاية الوجود»؟ وما الفرق - من هذه الناحية - بين هذا القول والقول الذي ينقضه فيزعم أن الشر هو غاية الوجود؟ كلا القولين سواء في عدم قابليتهما للتحقق من صدق أيهما أو كذبه، فلا يبقى أمام السامع أو القارئ - في هذه الحالة - إلا أن يحتكم إلى «شعوره»، (لا إلى منطق العقل)؛ ليرى مع أي القولين يشعر بالرضى.
وها هنا تبرز نقطة ذات أهمية خاصة، هي الألفاظ الدالة على «قيم» أخلاقية وجمالية، فلئن كان القارئ العادي لا يكاد يعبأ بما نقوله عن «المطلق» و«الوجود» و«الصورة» وما إلى هذه المعاني الفلسفية المجردة، فهو شديد الحساسية لما نقوله عن الألفاظ الدالة على قيم الأخلاق بصفة خاصة؛ ولذلك كان من بين المواضع التي استثارت نفوس الذين وجهوا النقد إلى الطبعة الأولى من هذا الكتاب ما ورد عن «القيم» من أنها معدودة بين المفاهيم الميتافيزيقية التي رفضنا أن يكون لها معنى خارج البناءات الفكرية التي وردت فيها؛ فأخذت هؤلاء الناقدين ظنون بأن في مثل ذلك القول تنكرا للأخلاق نفسها.
وحقيقة الموقف بعيدة عن ظنونهم تلك بعدا شاسعا، فلسنا نعرف ضربا واحدا من ضروب الفكر الفلسفي تنكر للقيم الأخلاقية والجمالية في ذاتها، ولكن الأمر أمر تحليل يكشف عن طبيعتها، وفرق بعيد بين أن تقول عن شيء ما إنه «غير موجود» وبين أن تقول عنه إنه موجود، وحقيقته هي كذا وكذا؛ والذي نزعمه عن أي لفظ يشير إلى قيمة أخلاقية أو جمالية، هو أن دلالة ذلك اللفظ ليست جزءا من الواقع الخارجي، ولكنها كائنة في طوية الإنسان وتظهر عندما ينفعل ذلك الإنسان بما يراه في مجرى الأحداث الخارجية، فإذا هو رأى جنديا من بني وطنه يقتل رجلا من جيش العدو في ساحة القتال، وحكم على الفصل بأنه «شجاعة» تستحق الثناء، فإنما جاء الحكم من الطريقة التي ينظر بها صاحب الحكم إلى الموقف الذي رآه وحكم عليه بأنه شجاعة محمودة، وقد يرى شخص آخر ذلك الموقف نفسه، بعين أخرى تمقت الحروب على إطلاقها، فيحكم على الفعل بأنه نذالة وهمجية، ومعنى هذا كله هو أن القيم الأخلاقية والجمالية هي ضرب من «الرؤية» التي توحي بها ثقافة الشخص الذي يطلق تلك القيم على المواقف؛ فليس الاختلاف على قيمة الشجاعة في ذاتها، بل الاختلاف على ماهية الموقف الذي يستحق أن تطلق عليه هذه القيمة.
6
نقطة أخيرة أقدمها إلى القارئ؛ ابتغاء مزيد من التوضيح؛ وأتمنى لو أنه كان في مستطاعي أن أقدمها مكتوبة بمصابيح «النيون» الساطعة بنورها؛ ليراها الأعشى والمبصر على السواء؛ لأنها كانت مصدرا لخلط عجيب؛ وتلك هي أن كل ما أكتبه في سبيل التجريبية العلمية، إنما يقصد به مجال واحد من مجالات القول - وهي كثيرة - وأعني به مجال «العلم» بمعناه الطبيعي التجريبي، ولم يقل أحد بأن اللغة لم تخلق إلا لهذا المجال العلمي وحده، فهنالك مجالات الشعر والنثر الأدبي، وشتى صنوف التعبير الوجداني على اختلافها، بل ومجال السحر والخرافة وأساطير الأولين. نعم، هنالك هذه المجالات كلها، وبديهي أننا إذ نشترط شروطا خاصة للعبارة العلمية كي تكون مقبولة على أسس منطقية تجعل لها «معنى» قابلا للتحقيق، بحيث يمكن الحكم عليها بالصواب أو بالخطأ، لم نكن نريد أن تطبق تلك الشروط على قصيدة الشعر أو على قصة بناها الخيال. فلكل صنف من صنوف القول الأخرى - التي ليست من صنف التفكير العلمي - معياره الخاص به، فللشعر الجيد معياره، ولأي جنس أدبي غير الشعر معياره، وهي معايير تختلف كل الاختلاف عن معيار المنطق العقلي الذي تضبط به مناهج القول في دنيا العلوم.
إنه إذا تحدث إلينا متحدث بخبر يرويه عن «هاملت» أو عن مصباح «علاء الدين»، وأردنا أن نتحقق من صدق روايته، فلن يكون سبيلنا إلى التحقيق هو الرجوع إلى عالم الطبيعة بأشيائها وكائناتها بحثا عن رجل اسمه «هاملت» بين الرجال، أو عن شاب ذي مصباح سحري بين الشباب، ولو فعلنا لما وجدنا، فهل نقول عندئذ إن الجملة التي رواها المتحدث عن هاملت أو عن علاء الدين مرفوضة؛ لأنها ليست بذات «معنى» ما دام العالم الواقعي لا يشتمل على موضوع الحديث؟ كلا، بل إننا في هذه الحالة نرجع إلى العالم الخاص بكل موضوع على حدة، فترجع بالنسبة لهاملت إلى رواية شيكسبير المعروفة، كما نرجع بالنسبة لمصباح علاء الدين إلى الحكاية الخاصة به بين حكايات ألف ليلة وليلة، وهناك نراجع حديث المتحدث على ما ورد في عالمه الخاص.
لكن الأمر يختلف إذا ما كان الخبر المروي لنا خبرا عن حقيقة من حقائق العالم المادي من حولنا، كأن يقال لنا - مثلا - شيء عن أشعة الضوء وسرعتها وزوايا انكسارها، أو خبر عن مياه البحر الأحمر، أو رياح الخماسين في مصر؛ فها هنا يتجه التحقيق العلمي نحو الواقع الطبيعي بكل ما لدى الإنسان من حواس أو أجهزة تعين تلك الحواس على دقة الإدراك.
ولما كان موضوع اهتمامنا في هذا الكتاب هو التفرقة بين ما يجوز قبوله وما لا يجوز قبوله في مجال القول «العلمي» وحده - دون سائر المجالات - قصرنا معاييرنا على موضوع اهتمامنا، فلم نسلم من هجمات الناقدين الذين لم يكن لهم من دقة النظر ما يفرقون به بين مجال أردناه ومجالات أخرى لم نردها، حدثناهم حديثا عن زيد، فراحوا يلتمسون التطبيق على عمرو؛ فلما لم يجدوا التطبيق مواتيا؛ وجهوا التهمة إلى مؤلف الكتاب لا إلى أنفسهم.
أما بعد، فقد رأيت أن أستبدل بعنوان الكتاب في طبعته الأولى - وكان «خرافة الميتافيزيقا» - عنوانا آخر هو «موقف من الميتافيزيقا»؛ لعل هذا العنوان الجديد أن يكون أخف وقعا على الأسماع، وأقرب إلى الموضوعية والحياد.
وبالله التوفيق.
अज्ञात पृष्ठ