मेटाफिज़िक्स का एक दृष्टिकोण
موقف من الميتافيزيقا
शैलियों
إننا إذا أخذنا بوجهة النظر التي تجعل الميتافيزيقا لا محاولة لتحليل الوجود الشيئي ورده إلى مصادره الأولى، بل المحاولة لتحليل قضايا العلوم تحليلا منطقيا، بردها إلى جذورها الأولى ردا يتبين منه مدى مشروعية التركيب اللفظي الذي صيغت فيه قضية علمية معينة: أهو متسق الأجزاء بعضها مع بعض، أم هو منطو على تناقض مستتر؟ أهو تركيب في طبيعته ما يمكن الباحث من المقابلة بينه وبين ما يشير إليه من حقائق العالم الواقع، أم هو مشتمل على مفردات لغوية، وعلاقات رابطة بين المفردات، تجعل التحقق من الصواب أو الخطأ أمرا محالا؟ أقول: إننا لو أخذنا بوجهة النظر التي تجعل الميتافيزيقا تحليلا منطقيا لقضايا العلوم، انتهينا إلى فكرة رائعة بالنسبة إلى الفلسفة وطبيعة عملها، إذ يتضح لنا في جلاء أن الفلسفة ليست مطالبة بأن يكون لها قضايا خاصة بها، ولا هي مستطيعة ذلك حتى إذا أرادته لنفسها؛ لأن العلوم المختلفة - كل في ميدانه - هي وحدها المؤهلة بمناهجها للوصول إلى حقائق الكون والإنسان، وحسب الفلسفة - إذن - أن تسير وراء العلوم تتسقط أقوالها لتصب عليها ضوء التحليل المنطقي، فتكشف ما قد يكون فيها من خلل يستدعي من العلماء إعادة النظر.
وقد تسألني: ولماذا لا نترك الخبز لخبازه، فنترك للعلماء أنفسهم تحليل قضاياهم على النحو الذي تشير إليه؟ وجوابي هو: أن ذلك هو ما يحدث في معظم الحالات، ففيلسوف العلم هو نفسه - عادة - رجل العلم بعد أن استوقفته الأسس التي يبني عليها علمه، دون أن يفكر أحد من الزملاء العلماء في تحليل تلك الأسس ذاتها، لنرى من أي الجذور جاء نبتها؟ كأن يقف أحد علماء الرياضية - مثلا - ليحلل «العدد» الذي هو أساس البناء الرياضي تحليلا يبين كيف نبتت فكرة العدد في العقل؟ هل نبتت في أصولها من التجربة البشرية في فجر ظهور النوع الإنساني؟ أو هي من مقومات العقل في فطرته، ولا تحتاج إلى اكتساب من تجربة مع العالم الخارجي؟ فيكون مثل هذا البحث هو «فلسفة الرياضة».
وشيء كهذا هو ما صنعه «عمانوئيل كانط» في كتابه «نقد العقل الخالص»؛ وذلك أنه - بادئ ذي بدء - أراد أن يلتمس طريقا للبحث الميتافيزيقي يؤدي بنا إلى مثل اليقين الذي نراه في نتائج العلوم الرياضية والطبيعية، فكان منهجه في ذلك هو أن يبدأ بتحليل الوسيلة التي تؤدي بالعقل إلى الوصول إلى الحقائق الرياضية ، ثم الوسيلة التي تؤدي به إلى قوانين العلوم الطبيعية (وقد كان كانط أستاذا للعلوم الطبيعية) فلما أن فرغ من مشروعه التحليلي الضخم في ميدان الرياضة وميدان العلوم الطبيعية، ووصل إلى ما وصل إليه من نتائج؛ أدرك أن ذلك التحليل نفسه لقضايا العلم بشطريه الرياضي والطبيعي هو الميتافيزيقا، بعد أن كان يظن في البداية أنه إنما قام بذلك التحليل ابتغاء الكشف عن المنهج القويم الذي يعالج به موضوع الميتافيزيقا بعد ذلك، وتلك هي ما أسميناها بالميتافيزيقا النقدية، في مقابل الميتافيزيقا التأملية. ونحن نقر الأولى ونرفض الثانية للسبب الذي ذكرناه فيما سبق.
4
ونضيف الآن سببا آخر، يدعونا لرفض الميتافيزيقا التأملية، وهو أن عباراتها - بحكم طبيعة الموضوع - تشتمل دائما على حدود لا يكون لها معنى إلا في مجالها، فإذا قلنا عن أنواع الجملة إنها ثلاثة من ناحية كونها صادقة حتما، أو باطلة حتما، أو أنها مما يحتمل الصدق والكذب، وجدنا الجملة الميتافيزيقية لا تندرج تحت أي قسم من هذه الأقسام.
الجملة الصادقة حتما هي التي تكرر المفهوم الواحد مرتين في صورتين مختلفتين: إحداهما تحلل مضمون الأخرى، كأن تقول 2 + 2 = 4، والكل أكبر من أي جزء فيه؛ والجملة الباطلة حتما هي التي ينقض شطرها الثاني شطرها الأول، كأن تقول إن المثلث لا تحيط به ثلاثة أضلاع؛ والجملة التي تحتمل الصدق والكذب هي الجملة التجريبية، كأن تقول إن جبل الهملايا صخوره بركانية. وعلى ضوء هذا التقسيم للقضايا من حيث صدقها أو كذبها، انظر إلى جملة من النوع الذي تورده الميتافيزيقا التأملية في سياقها، وسنختار جملة قد تبدو للقارئ أنها دالة على معنى من جهة، وأن معناها هذا صحيح من جهة أخرى؛ لكثرة ما ألف القارئ سماعها وسماع أمثالها، وهي «الخير غاية الوجود»، وهكذا قال أفلاطون حين جعل مثال الخير قمة لسائر المثل، فكأنما المثل جميعا تتجه نحو الخير باعتباره غاية الغايات.
انظر إلى هذه الجملة؛ فهل هي من الجمل التحليلية التي نجزم بصوابها بحكم بنائها اللغوي نفسه، كما حكمنا على جملة «الكل أكبر من أي جزء فيه »؟ كلا، إنها ليست كذلك؛ لأن تحليلنا «للخير» لا يتضمن أن جزءا من معناه الضروري هو أن يكون غاية الوجود، فهل الجملة محتومة البطلان بحكم تركيبها اللغوي، كما حكمنا بذلك على جملة «المثلث ليس محوطا بثلاثة أضلاع»؟ كلا؛ لأن «الخير» و«غاية الوجود» ليس بينهما تناقض داخلي يجيز لنا أن نحكم ببطلان الصلة الإيجابية بينهما. أفنقول إذن إن الجملة من النوع التجريبي الذي يكون مرد الحكم بصوابه أو خطئه إلى التجربة؟ كلا مرة ثالثة؛ لأنه إذا جاز لنا الزعم بأننا نعرف حقيقة الخير من خبرتنا بالحياة، فليست «غاية الوجود» جزءا من تلك الخبرة، أي إنه محال علينا أن نجد في دنيا التجربة ما يؤيد أو ما ينفي أن يكون الخير غاية للوجود؛ فما معنى ذلك كله؟ معناه هو أن الجملة الميتافيزيقية إذا انتزعت من سياقها الذي وردت فيه، وجدناها غير صالحة للحكم عليها بصدق أو بكذب، أي إنها ليست قضية منطقية على الإطلاق، إذ إن تعريف القضية المنطقية هو أنها ما يمكن الحكم عليه بالصدق أو بالكذب، وبهذا تكون الجملة الميتافيزيقية خالية من المعنى.
5
وهنا لا بد من وقفة قصيرة نشرح فيها ما نريده عندما نقول إن العبارة الميتافيزيقية من النوع التأملي، هي عبارة بغير معنى؛ إذ إن العبارات ذوات المعنى لا تخرج عن أن تكون واحدة من صنوف ثلاثة أسلفنا ذكرها، على حين أن العبارة الميتافيزيقية - وضربنا مثلا لها عبارة «الخير غاية الوجود» - لا تندرج تحت أي صنف من الأصناف الثلاثة، أقول: لا بد لنا هنا من وقفة قصيرة شارحة؛ لأن القارئ يغلب عليه أن يقف ذاهلا أمام قولنا إن جملة «الخير غاية الوجود.» بغير معنى، إذ هو يشعر بينه وبين نفسه أنه يفهم معناها أوضح الفهم.
ففكرة «المعنى» وما يقصد به، هي من أهم ما شغل الفلاسفة المعاصرين، إلى الحد الذي جعل بعضهم يذهب إلى أن تعريف الفلسفة هو أنها «تحديد المعاني»، وإن الرأي عند هؤلاء الفلاسفة ليتشعب عند تحليلهم لمعنى كلمة «معنى»، فمنهم من جعل معنى اللفظة المعينة هو «الشيء» الحسي نفسه الذي تشير إليه اللفظة؟ ومنهم من وجد مثل هذا التحديد أضيق جدا من أن يشمل جميع الحالات، فقال إن «المعنى» هو «التصور الذهني» (أي المفهوم) الذي تشير إليه اللفظة، ثم لحظ فريق ثالث بأن هذه التحديدات تقتصر على اللفظة وهي «اسم» قائم وحده، على حين أن الأهم هو «الجملة» فقالوا إن الجملة ذات «المعنى» هي تلك التي تتضمن بطريقة مفرداتها وتركيبها إمكان التحقق العملي من صدقها، وإلا فهي جملة بغير معنى.
अज्ञात पृष्ठ