والنسابون يؤيدون ما تواترت به هذه المنافرات، فيقول دغفل النسابة لمعاوية وقد سأله عن جده أمية: «رأيته رجلا قصيرا ضريرا يقوده عبده ذكوان»، قال معاوية: «ذلك ابنه أبو عمرو!» قال دغفل: «ذلك شيء تقولونه أنتم، أما قريش فلم تكن تعرف إلا أنه عبده.»
ويقول الكلبي في أبناء عبد المطلب: «كانوا إذا طافوا بالبيت يأخذون البصر.»
قلنا في كتابنا عن ذي النورين عثمان بن عفان: «وقد يتردد المؤرخ في قبول بعض الروايات المتقدمة على علاتها، ولكنه لا يحتاج إلى المشكوك فيه من تلك الروايات ليعلم هذا الفارق الواضح من خلائق العشيرتين فيما أثر عنهم قبل الإسلام وبعد الإسلام، ففي حلف الفضول قام بنو هاشم بالأمر، وقام به معهم بنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، وتخلى عنه بنو عبد شمس فلم يشتركوا فيه ... وخلاصة قصته أن رجلا يمانيا قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل فلواه بحقه، وأبى أن يرد عليه بضاعته، فقام في الحجر أو في مكان على شرف وصاح يستغيث، وكان من أجل ذلك أن تعاهد أناس من بني هاشم وأحلافهم ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب، ولا حر ولا عبد، إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه من أنفسهم ومن غيرهم، وعمدوا إلى ماء من زمزم، فجعلوه في جفنة، وبعثوا به إلى البيت، فغسلت به أركانه وشربوه. وقد أبى الأمويون وبنو عبد شمس عامة على أحد منهم أن يدخل هذا الحلف، فكان أحدهم عتبة بن ربيعة يقول: لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل حلف الفضول.»
وربما خفي السبب الذي يرجع إليه هذا الفارق بين الأسرتين، فقد يرى بعضهم أنه يرجع إلى النسب المدخول ، وقد رمي الأمويون الأوائل بشبهات كثيرة في عمود النسب، وعرض لهم بذلك أناس من ذوي قرباهم في صدر الإسلام، وأشهر ما اشتهر من هذه الشبهات قصة ذكوان الذي يقولون إنه من آبائهم، ويقول النسابون: إنه عبد مستلحق على غير سنة العرب في الجاهلية.
ومما يعلل به هذا الفارق أن بني أمية كانوا يغيبون عن ديارهم ويعودون إليها، فلا يطيب للمقيمين فيها أن يعترفوا لهم بدعوى الزعامة عليهم، وأنهم أكثروا من الرحلة في بادئ الأمر لحاجتهم وقلة محصولهم من نتاج النعم وأرباح التجارة، وليس بالبعيد أن «المعاهرة» التي أشار إليها المحكمون بينهم وبين الهاشميين قد أورثتهم بعض أمراضها، ودست في أخلاقهم شيئا من خبائثها، وليس بالبعيد أيضا أن الفارق بين الأسرتين إنما كان من قبيل تلك الفوارق التي نراها بين الإخوة كأنها قسمت بينهم ميراث الأخلاق، فذهب أحدهم بالحول، وذهب أخوه بالحيلة، أو ذهب أحدهم بالكرم والأريحية، وذهب أخوه بنقائضها من خلال الأثرة والدعوى.
وأيا ما كان سر هذا الفارق البين، لقد كان بنو هاشم - أسرة النبي - أصحاب رئاسة، وكانت لهم أخلاق رئاسة.
عرفوا بالنبل والكرم والهمة والوفاء والعفة، وبرزت كل خليقة من هذه الخلائق في حادثة مأثورة مذكورة، فلم تكن خلائقهم هذه من مناقب الأماديح التي يتبرع بها الشعراء، أو من الكلمات التي ترسل إرسالا على الألسنة ولا يراد بها معناها.
كان هاشم غياث قومه في عام المجاعة، فبذل طعامه لكل نازل بمكة أو وارد عليها، وسمي بالهاشم من ذلك اليوم لهشمه الثريد ودعوة الجياع إلى قصاعه:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه
ورجال مكة مسنتون عجاف
अज्ञात पृष्ठ