70

ومن رعاية جوار البيت حلف الفضول الذي تعاهد عليه أناس من علية قريش لينصرن كل مظلوم، ويردن الحق إلى كل مغصوب، وليكونن يدا واحدة في قتال كل غاصب يلج في ظلمه وغصبه اعتزازا بماله، أو بعصبته وحزبه. وما من مقدمة للدعوة المحمدية كانت ألزم ولا أكرم من هذه المقدمة؛ تيسيرا لاجتماع الكلمة على الخير، وتوحيد أبناء الجزيرة العربية في دعوة واحدة ليست لذي سلطان من ملوك اليمن، أو خليج فارس، أو مشارف الشام، الذين يدينون بالولاء للأكاسرة وللقياصرة وللنجاشيين؛ بل هي دعوة الله يتلقاها أصحاب التيجان والعروش كما يتلقاها عامة الخلق من عباد الله.

الفصل الثامن

أسرة النبي

منذ ثبتت للبيت الحرام تلك المكانة العالية بين العرب كافة، وجبت له أمانة الخدمة بما له من حق محفوظ وشرف ملحوظ، ووجب لخدامه السمت الذي يجمل بهذا المقام، وهو فوق مقام الرئاسة الدنيوية، وعلى مثابة من مقام العبادة والتقديس.

ولم يقم بهذه الأمانة أحد كما قام بها أجداد النبي - عليه السلام - من بني هاشم، فقد حفظوا حقها، وعرفوا سمتها، بل طبعوا عليه فطرة بغير كلفة، وبدا منهم الإيمان بها في مآزق الشدة التي يمتحن فيها الإيمان بحب النفس، وحب البنين، فيغلب الإيمان على حب المرء لنفسه وحبه لبنيه.

وقد تنافس بنو هاشم وبنو أمية على هذا الشرف، فأسفرت المنافسة بينهما عن فارق في الطباع ملحوظ الأثر في خلائق الأسرتين من أيام الجاهلية إلى ما بعد الإسلام بعدة قرون، ومهما تجد من ندين متناظرين في هاشم وأمية إلا وجدت بينهما هذا الفارق على نحو من الأنحاء.

كان بنو هاشم أصحاب عقيدة وأريحية ووسامة، وكان بنو أمية أصحاب عمل وحيلة ومظهر مشنوء، وينعقد الإجماع أو ما يشبه الإجماع على أخبار الجاهلية التي تنم على هذه الخصال في الأسرتين، وبقى الكثير منها إلى ما بعد قيام الدولة الأموية فلم يفندوه.

ومن هذه الأخبار أخبار المنافرات المتتالية تجمعها منافرة حرب وعبد المطلب إلى نفيل جد عمر بن الخطاب؛ إذ يقضي لعبد المطلب ويخاطب حربا قائلا: أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صفدا، وأطول منك مذودا؟

أبوك معاهر وأبوه عف

وذاد الفيل عن بلد حرام

अज्ञात पृष्ठ