بالقائم الثامن المستخلف اطأدت١ ... قواعد الملك ممتدًّا لها الطول
ألا ترى أنه قال: "اطَّأدَتْ"، والصواب "اتَّطدت"؛ لأن التاء تبدل من الواو في موضعين: أحدهما مقيس عليه كهذا الموضع؛ لأنك إذا بنيت افتعل من الوعد قلت: "اتعد"، ومثله ما ورد في هذا البيت، فإنه من وطد يطد، كما يقال: وعد يعد، فإذا بني منه افتعل قيل: "اتَّطَدَ"، ولا يقال: "اطَّأَدَ"، وأما غير المقيس فقولهم في وجاه: تجاه، وقالوا: "تكلان"٢، وأصله الواو؛ لأنه من وكل يكل، فأبدلت الواو تاء للاستحسان، فهذه الأمثلة قد أشرت إليها ليعلم مكان الفائدة في أمثالها وتُتَوَقَّى. على أني لم أجد أحدًا من الشعراء المُفْلِقِين سلم من مثل ذلك، فإما أن يكون لحن لحنًا يدل على جهله مواقع الإعراب، وإما أن يكون أخطأ في تصريف الكلمة، ولا أعني بالشعراء من هو قريب عهد بزماننا، بل أعني بالشعراء من تقدَّم زمانه، كالمتنبي٣ ومن كان قبله، كالبحتري٤، ومن تقدَّمه، كأبي تمام ومن سبقه، كأبي نواس، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
على أن المخطئ في التصريف أندر وقوعًا من المخطئ في النحو؛ لأنه قلَّمَا يقع له كلمة يحتاج في استعمالها إلى الإبدال والنقل في حروفها، وأما النحو فإنه يقع الخطأ فيه كثيرًا حتى إنه ليشذَّ في ظاهره في بعض الأحوال، فكيف خافيه؟ كقول أبي نواس في الأمين محمد ﵀:
_________
١ فعله المجرَّد وطد، يقال: وطد الشيء يطده بالتخفيف كوعد يعد، فهو وطيد وموطود، أثبته وثقله كوطَّده فتوطد بالتشديد، ورواية الديوان "اعتدلت" موضع "اطأدت" ص٢٢٧.
٢ تجاه ووجاه مثلثتين تلقاء الوجه. أراد أن كلمة تجاه فيها تاء ليست في الأصل والتكلان: الاسم من التوكل.
٣ المتنبي هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الشاعر المشهور، من أهل الكوفة، وقدم الشام في صباه، وجال في أقطاره، واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها، وكان من المكثرين من نقل اللغة، والمطلعين على غريبها وحوشيها، ولا يسأل عن شيء إلّا استشهد فيه بكلام العرب، وإنما قيل له المتنبي؛ لأنه ادَّعى النبوة في بادية السماوة، وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم، فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيدية فأسَرَه وتفرَّق أصحابه، وحبسه طويلًا، ثم استنابه وأطلقه، ثم التحق بسيف الدولة بن حمدان في سنة ٣٣٧هـ، ثم فارقه إلى مصر سنة ٣٤٦هـ، ومدح كافورًا الإخشيدي، ولما لم يرضه هجاه، وفارقه ليلة النحر سنة ٣٥٠هـ، ومات مقتولًا سنة ٣٥٤هـ.
٤ البحتري هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي ولد بناحية منبج سنة ٢٠٦هـ، وتنقَّل في قبائل طيء وغيرها من البدو الضاريين في شواطئ الفرات، فغلبت عليه فصاحة العرب، واتَّصل بالمتوكل والفتح بن خاقان حتى قتلا، ويمتاز شعره برقة الأسلوب وحسن الخيال وإجادة الوصف والرثاء والعتاب والغزل والمديح، توفي البحتري سنة ٢٨٤هـ.
1 / 48