قلت: فنعود معك إلى جميع الوجوه السالفة فنزيدك هنا بيانا، وهو أن غرم المال لاينهض زاجرا عن الشهوات والأهواء الغالبة، إذ مخالفة الهوى أصعب شيء على المرء، ألا ترى من عرضت له شهوة الانتقام من عدوه ينفق عليه الأموال، وستسهل في طلبه المشقات والأهوال، وقد لا يظفر به، ثم لا يزعه ذلك من معاودة الطلب والجد في قضاء الأرب. وهذا مما يدل على أن شهوة الانتقام ولذته، تفوق لذة المال ومحبته، وكذلك من غلبت عليه شهوة فرجه، لايبالي بما أخرج في الوصول إليها من مال، ولا ما آل إليه أمره من الافتقار والإقلال. فعن الشهوة الأولى يتولد القطع والجرح والقتل والقذف، وعن الثانية تتولد الفواحش، وكل شهوة تمكنت وعلاقة استحكمت، سهل على صاحبها بذل المال لتحصيلها. ولذلك يجري على ألسنة الناس: الأموال تحتاج إما للأمراض وإما للأغراض(¬1). والاموال مبلغة النفوس إلى الهوى. والمعاصي للقلوب علل وأدواء، ومن شرط الدافع أن يكون أقهر وأقوى. فكيف شرع الداء لإزالته ونقصانه، وهو لا يألو في زيادته وطغيانه؟. وإذا صار غرم المال لأهل الولايات في الفواحش والجنايات معنى صحيحا مؤثرا لتحصيل الأغراض والشهوات، فكيف يستجير العاقل أن يشرعه عالم الخفيات، والذي أحاط بما تغيب الأرض والسماوات. جلت أحكام العليم الخبير أن يكون فيها نقص في الحكمة، أو يصحبها تقصير.
ما قلنا لك هذا إلا ليتأيد لك المنقول بالمعقول، ولتعلم أنا لحكمة ما قال الله والرسول، ولينزاح عنك الالباس، ويذهب ما رام من الوسواس. وإلا فقد علمت أن من علم الله ورسوله فرفض أمرا وأخذ يبحث برأيه، فقد أتى أمرا إمرا ، وجاء منكرا أنكرا.
पृष्ठ 135