الوجه الثاني: ما يدل على فساد قوله: تجري هذه المسائل على المصالح المرسلة، وهو أنه قد سبق منه، ويأتي التصريح بأن هذه الخطايا ظلم، ودعا لأمير المؤمنين أيده الله اذ أسقطه، والظلم لا مصلحة فيه اجماعا، فكيف يصح مخرجه على المصالح. هذا قياس معكوس، وعلى أم رأسه منكوس، ولا عجب من أمر الله، ولا من نفوذ قدره وقضائه (19=193/ب).
الوجه الثالث: أنه قد سبق من كلامه أن سبب كثرة الفساد جور الولاة، وأخذ الرشا، والتغافل عن حدود الله وحقوق العباد، ومن أراد الخلاص من ضرر التبعات، أن ينظر إلى علته وأصل الداء ويستفرغه، فإذا هو ذاهب. فالواجب على مقتضى العقل والحكمة، وما لزم العباد من اتباع الكتاب والسنة، وما وجب من النصح لله ورسوله ولائمة المسلمين ولسائر الأمة، أن يشير أو يفتي بتولية الثقات، ويأخذ عليهم موليهم العهد بإقامة الحدود وتخليص الحقوق، وإنصاف المظلوم من الظالم، والمنع من قبول الرشا وتفقدهم، فمن استقام على الطريقة أكرمه وشرفه، ومن اعوج وكان مرجو التقويم، قومه، ومن اعقل حماره ولم ينفع فيه دواء، أخذ فيه بما أشبه من عقوبة مثله وابرأه وعزله. وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن من الرشوة ثلاثة: الراشي والمرتشي والرائش"(¬1).
ومن ظهر له فساد في عمالته، دل على ضعفه أو خيانته، وهو لاخير في ولايته، قال الله في كتابه المبين "إن خير من استأجرت القوي الأمين"(¬2).
هذا هو السبيل إلى حسم الفساد وقطع العناد، وإصلاح البلاد والعباد. وأما فتح باب الأعواض في الجنايات، فوسيلة إلى قضاء الاغراض والخيانات، إذ هو أصل الادء. والعالم بمنزلة الطبيب، والطبيب من دبر إزالة الداء ونقصانه، لا زيادته وطغيانه.
पृष्ठ 131