كأنه فلك والماء فيه سما ... والنار شمس يه والحامل القمر
وله:
عجبت لقنديل تضمن قلبه ... زلالا ونارًا في دجى الليل تشعل
وأعجب من ذا انه طول عمره ... يجن عليه الليل وهو مسلسل
الباب الخامس عشر
في الخضروات والرياحين
الورد كان المتوكل يقول أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين فكل منا أولى بصاحبه وكان قد حرم الورد على جميع الناس واستبد به وقال لايصلح للعامة فكان لا يرى الورد إلا في مجلسه وكان أيام الورد لا يلبس إلا الثياب الموردة ويفرش الفرش الموردة يوورد جميع الآلات.
ورفع إلى المأمون أن حائكًا يعمل سنته كلها لا يتعطل في عيد ولا جمعه فإذا ظهر الورد طوى عمله وغرد بصوت عال:
طاب الزمان وجاء الورد فاصطحبوا ... مادام للورد أزهار وأنوار
فإذا شرب مع ندمائه غنى:
اشرب على الورد من حمراء صافية ... شهرًا وعشرًا وخمسًا بعدها عددًا
ولايزال في صبوح وغبوق ما بقيت وردة فإذا انقضى الورد عاد إلى عمله وغرد بصوت عال:
فإن يبقني ربي إلى الورد أصطبح ... وندمان صدق حاكة ونبيط
فقال المأمون لقد نظر إلى الورد بعين جليلة فينبغي أن نعينه على هذه المروءة فأمر أن يدفع له كل سنة عشرة آلاف درهم.
وقال ابراهيم الخواص إذا جاءت أيام الورد أمرضني علمي بكثرة من يعصي الله تعالى فيه.
جلس روح بن حاتم أمير أفريقية يومًا في منظر له ومعه جارية من جواريه فدخل الخادم بقادوس فيه ورد أحمر وأبيض في غير أوان الورد فاستظرفه وسأل الخادم عن أمره فأخبره أن رجلًا أتى به هدية فأمر أن يملأ له القادوس دراهم فقالت له الجارية ما أنصفته قال ولم قالت أتى بلونين أحمر وأبيض فلونه له فأمر أن يخلط دنانير ودراهم فخلط ودفع إليه.
ويقال عن كسرى مر بوردة ساقطة فقال أضاع الله من أضاعك.
خواصه: بارد يابس في الدرجة الأولى يابس في آخر الدرجة الثانية نافع لصاحب المرة الصفرا ومن به حرارة حريقة مسكن للصداع المتولد منها ضار لصاحب المزاج البارد مهيج لعطاسه مزعج لدماغه ومرباه بالسكر والعسل ينفع من البلغم وماؤه المصعد منه بارد وطب نافع من سائر أوجاع الدماغ الحادة ومن الأورام الحارة نقلتها من النور المجتبي من رياض الندماء تأليف الحكيم الفاضل الأديب المعروف بالعنبري وبابن المحلى ذكره الفاضل المؤرخ موفق الدين بن أبي أصيبعة في تاريخ الأطباء وأثنى عليه الثناء البالغ.
وعلى مصنفه المذكور قلت وهذا الكتاب رتبة على فصول السنة كل فصل يشتمل على أربعين بابًا عديم النظير قليل الوجود.
القول في استخراجه في غير أوانه: قال صاحب المباهج من احرق السداب في أصول شجر الورد حتى يرتفع وجه الإحراق إلى الشجر في أي وقت كان من السنة التي تورد شجرة الورد فيه وردت بعد أيام وردًا غضًا ومتى جمع الرماد التي احرق وخلط بتراب ونيش أصل الشجرة التي أحرق ذلك في أصولها وطمر الرماد ثم سقيت الماء في الوقت وسقيت بعد ذلك على العادة كان ما ذكرناه أيضًا.
الحيلة في أن يبقى الورد السنة كلها في الفلاحة الرومية: يؤخذ زر ورد الذي لم يفتح بعد فتملأ به جرة فخار جديدة وتطين رأسها تطينًا محكمًا لا يتخلله الهواء ويدفن في الأرض فإنك تخرج منها الورد متى شئت إلى آخر السنة كهيئة حين أدخلته فيها فرش عليه ماء ويترك في الهواء فإنه يفتح وردًا طربًا كالذي يقطف من شجره.
وفي كتاب الخواص أن الورد الأحمر إذا بخر بالكبريت أبيض وإذا بخر نصف الوردة صار نصفها أبيض ونصفها أحمر والورد الأحمر إذا بخر بالنورة المطفية أبيض وإذا صب في الشتاء في أصول شجر الورد ماء حار عند كل غداة انفطر قبل انفطار الورد.
1 / 42