مسيح دارفور
طر
القوة العسكرية المنوط بها حسم الأمر لا تتجاوز ال 66 جنديا، وفريق كبير من النجارين المهرة وشبه المهرة، تم جلبهم بالقوة من نيالا وكاس وزالنجي. في الحقيقة كان هذا العدد كافيا جدا للقضاء على ثورة نبي كاذب - كما تم وصفه من قبل القادة الميدانيين وبعض الساسة الضالعين في إطلاق الألقاب الجيدة - كل قوته التي لا تحمل أيا من الأسلحة هي 15 رجلا وامرأة واحدة، وما يسمونه بالنبي الكاذب هذا قد أحيا في الجمعة الماضية أربعين شخصا من الموت، وشكل من ريشة واحدة غرابا حقيقيا جميلا، وقال له طر؛ فطار.
الشخص الذي صمم طريقة القضاء على الرجل كان يمتلك خيالا خصبا يحسد عليه، كما أنه يتسم ببرود أعصاب وإصرار على القتل بصورة مدهشة، وكان عليه أن ينجز الأمر بأسرع ما يمكن، خاصة بعد أن تناوله الناس المروجون من المتربصين بالحكومة الوطنية في الفيسبوك والتويتر والمواقع الإلكترونية العميلة مثل؛ الراكوبة، وسودان فوراول وغيرهما، كما أن الأمم المتحدة التي تدخل أنفها في كل شيء فيما يخصها وما لا يخصها، تتداول النقاش مع بعض الدول على إرسال مبعوث خاص لمعاينة موضوع النبي الدارفوري الغريب، كما أسمته الصحافة الغربية، من قرب كاف ورفع تقرير بذلك، كما أن الجماعات التي أعلنت إيمانها المطلق به حتى قبل أن تعرف تفاصيل دعوته، تتجمع الآن من كل أنحاء العالم وتسير في قافلة عملاقة نحو دارفور. عليه أن يقطع الطرق أمام هذا وذاك ويقوم بالتخلص منه بقتله، ولكنه يريد أن يقتله بطريقته الخاصة، بأسلوبه الذي يحب، يريد أن يختار له نهاية تليق بأسلوب ادعائه.
يقول إنه المسيح، ليس متشبها به، وليس داعيا بدعوته، وليس أحد تلامذته ولا مريديه، وليس المسيح الدجال ولا المهدي المنتظر، ولا برمبجيل، يقول إنه السيد المسيح بلحمه ودمه، وبهذا يستحق صلبا حزينا بائسا يجعل كل من يحاول أن يدعي النبوة - وهم كثر في هذه الأيام - أن يفكر ألف مرة قبل أن يعلن ذلك.
كان النجارون وأشباه النجارين مشغولين في صنع خمسة عشر صليبا من أفرع أشجار السنط المقطوعة حديثا الصلبة وعليها بقايا الشوك، كانت صلبانا ثقيلة، يحاولون أن يجعلوها أثقل ما يمكن، يختارون السوق الأكثر رطوبة، المروية جيدا بماء الأنهر البعيدة في عمق الأرض، يضعون حولها دعامات ثقيلة من سوق أخرى أكثر ثقلا، يدقون في أعماقها مسامير غليظة من الحديد الصلب ذات نهايات حادة، ويتم تذكيرهم بين وقت وآخر أنهم قد يصلبون على ذات الصلبان التي يصنعونها الآن إذا لم تكن جيدة الصنع، كان النجارون وأشباه النجارين مجتهدين، يصلون الليل بالنهار، أمامهم ثلاثون ساعة لا غير، العساكر لم يكونوا على أهبة، ولم يصبحوا كذلك، لا يمكن أن يؤذي من لا سلاح له، بل من يقول إنه سوف يبارك قاتليه؟ فكانوا لا يكفون عن لعب الورق والشجار حول من الذي صنع البندقية الكلاشنكوف.
الجنود ال 66 شرسون، حاربوا في كل بقاع السودان، كانت لهم صولات وجولات في الجنوب والشرق والغرب، وقد يقاتلون في ميادين أخرى من أرض الوطن الحبيب، وهنا تكمن خطورتهم، إنهم متخصصون في القضاء على ثورات مواطنيهم بالذات؛ أي مثل القطط التي تأكل أبناءها، وتهرب من نباح كلب الجيران، الجنود ال 66 مدججون بأسلحة ثقيلة وخفيفة؛ دبابتين، ناقلتين للجنود، وعربتين لاندكروزر مزودتين بدوشكا، يلفون رءوسهم ووجوههم بشالات ملونة وكأنهم فرسان من قبيلة الطوارق. من الخطأ التعامل معهم وكأنهم شخص واحد، هم يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض؛ في النشأة ، والموطن، استخدامهم للسلاح، حبهم للحياة، وفي فهمهم للحرب، بل في إيمانهم بالقضايا التي يحاربون من أجلها، أسرهم، عشيقاتهم وأحبائهم، من له أبناء وبنات ومن هو أعزب ومن ليس له غير نفسه، حبهم للحياة، مقدرتهم على التضحية بالروح والدم. فال 66 جنديا، هم في الحقيقة 66 إنسانا، يكتشف ذلك من يقترب منهم أكثر، من يستمع لنبض قلوبهم، من يتحسس سريان الدم في شرايينهم، من يستطيع أن يدخل أصابعه في جيوبهم ويلمس لزوجة فقرهم وحرمانهم. الجنود ال 66 مستعدون لتنفيذ الأوامر في الحال.
إبراهيم خضر، ليس هو القائد الميداني، كما أنه ليس صاحب قرار في مصير الرجل، وهو أيضا ليس من مهمته إقناعه وقيادته إلى جادة الطريق. كان مكلفا بفهم آراء الرجل، وكتابة تقرير واف عن ذلك، لا أكثر ولا أقل، تحت عنوان وإرشادات معطاة مسبقا، ولا نريد منك أكثر من ذلك، وليس من ضمن تلك الأسئلة القائدة سؤال مثل: هل هو نبي أم لا؟ كان بوده أن يسأل مثل هذا السؤال، ولكنهم للأسف يعرفون ويؤمنون بأنه ليس نبيا، فآخر الأنبياء في الدين الإسلامي هو النبي محمد
صلى الله عليه وسلم ، وآخر الأنبياء عند الدين المسيحي هو السيد عيسى المسيح. أما البوذيون والصوفيون وغيرهم فيتمسكون بمقولة: كل عقل نبي، ويفتحون بذلك الباب واسعا لكل من هب ودب، الذين أرسلوه في هذه المهمة لا يخطر ببالهم مجرد خاطرة أن يكون هذا الرجل نبيا حقيقيا، أو كما يقول هو عن نفسه: عيسى ابن الإنسان.
وكان الجنود يلعبون الورق، يشربون المريسة اللذيذة التي يصنعونها من بقايا خبز الطعام وأشعة الشمس الحارقة، كانوا 66 جنديا، ينضوون تحت كتيبة جاءت لدارفور من شرق السودان؛ لذا يسمونهم الشرقية، شعارهم خنجر، عندما تراه تحس به يتوغل في جسدك، يخترق جلدك؛ ليقبل قلبك الخائف قبلة أخيرة لا فكاك منها. ليسوا بجا جميعا، بل في الحقيقة ليس من بينهم بجا، يعني أن البجا بهذه الفرقة الصغيرة عددهم خمسة أفراد، ليست لديهم شعور كثة، وليست بوجوههم وشام كتلك التي لدى جدودهم منذ ما قبل مملكة كوش ، أقصد تلك الخطوط الثلاثة الأفقية، التي تشير للرب، وهو في ذلك الزمان الفيل؛ حيث إنه كان أكبر المخلوقات حجما، للأرض، والسماء. الشرقية بها تشكيلة من كل سكان السودان القديم والحديث، يوحدهم شيء واحد، وهو أنهم شجعان ولا يعصون الأوامر، وأنهم يلعبون الورق في هذه اللحظة.
अज्ञात पृष्ठ