وتعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ والإجماع في ذلك ممنوع قطعا ومن شن الغارة فقد غلط، ولا بدع أن يغلط، فقد غلط من هو خير منه كمثل عمر بن الخطاب ﵁ فلما نبهته المرأة رجع في مسألة المهر وفي غير ذلك في سيرته بل غلط الصحابة وهم جمع ونبينا ﷺ بين أظهرهم، سار فيهم نوره فقالوا: أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.
فان قلت: هذا فيمن ذهل، فلما نبه انتبه، فما القول فيمن حرر الأدلة وأطلع على كلام الأئمة القدوة، واستمر مصرا على ذلك حتى مات.
قلت: ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر ولا نقول أنه كافر ولا كما تعدم أنه مخطئ وإن استمر على خطئه لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه وسيفه وسنانه فلم تقم عليه الحجة ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على زمان المؤلفين المذكورتين التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأسا، ومن أطلع عليه أعرض عنه قبل أن يتمكن في قلبه، لم يزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق النظر في ذلك إلا من شاء الله منهم.
هذا وقد رأى معاوية وأصحابه ﵃، منابذة أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله منهم عنه، بل وقتاله ومناجزته الحرب، وهم في ذلك مخطئون بالإجماع، واستمروا في ذلك الخطأ حتى ماتوا، ولم يشتهر عن أحد من السلف تكفير أحد منهم إجماعا، بل ولا تفسيقه بل أثبتوا لهم أجر الاجتهاد، وإن كانوا مخطئين، كما ذلك مشهور عند أهل السنة.
ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته وشهر صلاحه وعلم ورعه وزهده، وحسنت سير ته وبلغ من نصحه للأمة، ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها، وان كان مخطئا في هذه المسألة أو غيرها، كابن حجر الهيتمي فانا نعرف كلامه في "الدر المنظم" ولا ننكر سعة علمه، ولهذا
1 / 44