في 1890م طلب زعماء اليهود الإنجليز إلى الحكومة البريطانية أن يؤذن لليهود في الرجوع إلى الأرض المقدسة، وذلك حين برزت أهمية المصالح البريطانية في فلسطين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، منذ فتح قناة السويس والاحتلال البريطاني لمصر في 1882م؛ مما جعل لفلسطين مركزا عسكريا مهما. هذا إلى عناية البريطانيين بدراسة التوراة، والتنقيب عن آثار ماندا من الجهات التي وردت فيها، وقد فكرت إحدى الشركات البريطانية في مد خط حديدي بين آكر ودمشق. غير أن المشروع لم يكتب له التوفيق؛ إذ إن الحكومة التركية أعدت مشروعا أكبر لربط الحجاز حديديا بسوريا.
ثم تجدد الاهتمام بأمر عودة اليهود إلى فلسطين منذ أن تألفت في أوائل القرن التاسع عشر، جمعية إنجليزية مهمتها دراسة أرض التوراة، مما كان من أثره إعداد سلسلة من الكتب بدأت بشعر «دين ميلمان» عن سقوط «القدس» وتاريخ اليهود، وقد أصبح اليهود منذ يومئذ وكأن إنجلترا المتعطشة لقراء التوراة قد احتضنتهم أو حمتهم على مثال ما كان من ادعاء روسيا القيصرية يومئذ حماية المنتسبين إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وفرنسا حيال اللاتين، وبروسيا حيال البروتستانت. كذلك كانت البعثات التبشيرية في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تتسابق في إنشاء المدارس لأبناء لبنان وسوريا، وتضاعفت العناية بجعل التوراة غربية الطابع بعد أن كانت شرقيته. وقد ذهب اللورد شافتسبري «1801-1885م» من أقارب لورد بالمارستون - وزير الخارجية البريطانية يومئذ - إلى أن عودة بني إسرائيل إلى فلسطين ستكون قوة للسياسة البريطانية. وكان مما استند إليه اللورد شافتسبري في دعوته هذه، أنه سيتاح لأراضي فلسطين التي فشت فيها الفوضى والفقر وقل سكانها؛ الفوز بأموال اليهود، فتستصلح تربتها من غير أن يحمل أحد العبء عنهم، خاصة أن اليهود لا يحفلون بالشئون السياسية.
وهنا كتب اللورد بالمارستون إلى السفير البريطاني في استانبول، التي كانت مقر السلطنة التركية صاحبة السيادة على فلسطين يومئذ، يقول: إنه قد اتجه التفكير القوي بين يهود أوروبا المشتتين بأن الوقت قد حان لكي تعود الأمة اليهودية إلى فلسطين.
وكان بالمارستون يذهب مع الكثيرين إلى أن اليهود جميعا أغنياء. غير أن اليهود الإنجليز البارزين كانوا منصرفين يومئذ إلى التحرير المدني السياسي الذي كان يشغل بال الإنجليز في بلاد عرفت بالمحافظة وبالتدرج البطيء في الانتقال من طور إلى طور جديد.
ثم إنه قد ظهر بين يهود إنجلترا السير موسى مونتيفيور، الذي كان أول يهودي شغل منصب
Sheriff
لمدينة لندن، فزار الأراضي المقدسة في 1827م، وبعد عشر سنوات زارها للمرة الثانية، وفاوض إبراهيم باشا الذي كان واليا عليها في أن يأذن في أن يتاح لليهود أن يقيموا هناك. وقد كان عددهم في القدس أقل من خمسة آلاف. وكان مجموع سكانها 13 ألفا. أما في سائر فلسطين فقد كان عدد اليهود عشرة آلاف حين كان عدد العرب مائة ألف، وفي أواخر القرن التاسع عشر بلغ عدد العرب في الجزء الجنوبي 200 ألف.
على أن حملة إبراهيم باشا قد فتحت عيون العرب واليهود على مجدهم السابق، كما أعادت اهتمام الأوروبيين بالأراضي المقدسة بعد أن أهملوها منذ الحروب الصليبية.
بنيامين دزرائيلي
وقد حدث أن بنيامين دزرائيلي «اللورد بيكونسفيلد» - رئيس الوزارة البريطانية الأسبق - الذي كان من أصل يهودي، ودان للمسيحية، قد زار في منتصف القرن التاسع عشر فلسطين، وأمضى بها بضعة أسابيع في خلال رحلته الدراسية العامة لأوروبا والشرق الأدنى. وقد كان من أثر تأملاته في الأرض المقدسة أن ألف ثلاث قصص، وهي: «كونتاريني فليمينج» و«الروي» و«تانكرد». كذلك كان الرحالة المسيحيون الأوروبيون منذ القرن التاسع يرون أن فلسطين أرض موحشة، وأن القدس ذاتها - مع وفرة قصادها بأماكنها المقدسة - مدينة الأطلال.
अज्ञात पृष्ठ