ولما رأت الدولة أن الاضطرابات قد كثرت في بلاد اليونان، وأن الثورة قد عمت كل أنحائها طلبت من المرحوم «محمد علي باشا» عزيز مصر أن يمدها بالرجال، فأجاب الطلب وأرسل جيشا جرارا على أساطيل مصر تحت قيادة ابنه المرحوم «إبراهيم باشا».
وفي أثناء تأهب المصريين للدخول في بلاد اليونان كانت الدول الأوروبية تتناقش في سان بطرسبورغ في أمر المسألة اليونانية، ولكن إنكلترا كانت تعمل على عدم نجاح المؤتمر حتى يكون لها حرية تامة في العمل، وغاية ما أقر عليه هذا المؤتمر هو أن الدول الأوروبية تطلب من الباب العالي أن يعطي أمة اليونان شيئا من الحرية والاستقلال في إدارتها، وقد أجاب الباب العالي على هذا الطلب بأنه لا يهب اليونانيين حقا جديدا، إلا بعد تمام خضوعهم، وأنه لا يقبل مطلقا تداخل أية دولة أوروبية أو كل الدول بينه وبين رعاياه. •••
أما المصريون فقد أتوا في بلاد اليونان من الأعمال ما يخلده لهم التاريخ، وما يحق لمصر أن تفتخر به في كل آن وفي كل زمان؛ فإنهم خدموا الدولة العلية أكبر الخدم وأجلها، وبرهنوا على أن المصري إذا تعلم وتربى يقوم بأشرف الأعمال وأعظمها، فقد هزم المصريون اليونانيين شر هزيمة، واستولوا على كل بلادهم حتى ارتفعت أصوات أنصار اليونان في أوروبا ضدهم، وسموا بطل مصر المرحوم «إبراهيم باشا» بالسفاح إظهارا لغيظهم من رجل قام بالواجب عليه نحو دولته وأمته وملته.
وقد قدمنا فيما سبق أن البحرية العثمانية كان أغلب عمالها من اليونانيين، وكانت غير قادرة على قطع دابر اللصوص من الأرخبيل وحدها، فلما طلب المرحوم السلطان «محمود» من عزيز مصر أن يمده برجاله وسفنه؛ أمر المرحوم «محمد علي باشا» بإرسال أساطيل مصر الفخمة إلى مياه الأرخبيل، فاستعدت البواخر في الإسكندرية، ورأى عندئذ هذا الميناء الزاهر مظهر جلال مصر وقوتها في البحر مما لم تر له طول حياتها مثيلا، وكان الرأي المنتشر حين ذاك بين قناصل دول أوروبا في مصر أن مصر بقوتها وسلطتها تقهر وحدها بلاد اليونان، وتعيدها خاضعة للدولة العلية قبل تمام ستة أشهر.
وقد أتمت مصر تجهيزاتها الحربية في 9 يونيو سنة 1824، وكان الأسطول المصري مركبا من ثلاث وستين مركبا حربية عظيمة، ومن ثمانية آلاف جندي مصري من خيرة الرجال، وكان مع الأسطول والجيش ذخيرة سنتين كاملتين.
وبعد مبارحة الجنود المصرية لثغر الإسكندرية وقفت بجزيرة «كاكسوس» وأخضعتها وقهرت أهلها الذين كان أغلبهم يعيش من النهب والسلب، وبعد ذلك بقليل استولى الأميرال التركي خسرو باشا على «إيبسارا» التي أتى أهلها من قبل إخضاع الدولة لها من الفظائع ما يعجز القلم عن وصفه، حتى إنهم قتلوا الكثيرين من أهل ساموس؛ لعدم رضاهم بدفع شبه جزية لهم.
وما أخذ المصريون والأتراك هذين الموقعين المهمين حتى نادى أنصار اليونان في أوروبا بالويل والثبور، ونشروا الأكاذيب والمفتريات عن دخول العثمانيين في هذين البلدين، مدعين أنهم ذبحوا الأبرياء وقتلوا الأطفال والنساء. هذه العبارات نفسها التي تذكر في كل خلاف يقع بين المسلمين والمسيحيين في الدولة العلية، والتي لا تتغير وإن تغيرت الظروف والحوادث ...
وفي أول سبتمبر عام 1824 اجتمع المصريون والأتراك في خليج «بودرون» تحت القيادة العامة لخسرو باشا، فلما علم «مياوليس» رئيس بحرية ثوار اليونان باجتماع هذه القوى العظيمة جمع سفن الثوار كلها بين «كوس» وجزيرة «كاباري» فوجه عندئذ «إبراهيم باشا» أسطوله إلى جزيرة كريد حيث كان وصلها من الإسكندرية جنود أخرى وأسلحة وذخائر جديدة، وجرى حين ذاك أن البحارة اليونانيين الذين كانوا تحت قيادة «مياوليس» طالبوه بماهياتهم ومرتباتهم الماضية، وأنذروه بأنهم يعودون إلى جزائرهم، ولا يبقون بسفنه إذا لم يعطهم هذه المرتبات؛ فحار «مياوليس» في أمره مع هؤلاء القوم الذين كان يظنهم شجعانا أبطالا وخداما للوطن اليوناني، والذين كان يسميهم أنصار اليونان في أوروبا برجال الحرية والاستقلال، وبورثة اليونانيين القدماء!
فاضطر عندئذ «مياوليس» إلى الذهاب إلى مدينة «بوبلي»، وقد كانت هذه المدينة مركز حكومة اليونان الثوروية.
أما «إبراهيم باشا» فقد أتم كل تجهيزاته ومعداته، وسار بأسطوله وجنوده قاصدا «مودون» بالمورة حيث وصلها في 24 فبراير سنة 1825، وما استقر بها حتى أخذ يهيئ الجيش للقتال والحرب، وفي 25 مارس من السنة نفسها بدأ المصريون بمحاصرة مدينة «ناورين» الشهيرة ومدينة «بيلوس».
अज्ञात पृष्ठ