ولكن كلام الرسول ﷺ حجة لكل أحد وعليه، بنصه وشبيهه، فدل نصه على التحية وقت الخطبة، وقياس الأولى على التحية بعد البردين، ١ وعلى أن الأمر بالركعتين مخصص كما خصص هنا وأولى، وفي الصحيحين أنه قال: لجابر "صل ركعتين" ٢ أي تحية المسجد، فقد أمره بالصلاة ولم يعلله بالقعود، وقوله في الآخر فلا يقعد لأن العادة أنه يقعد، واحتج النسائي على عدم وجوبهما بحديث كعب بن مالك، وفيه: فلما سلمت قال: "تعال فجئت فجلست" إلخ، ثم ذكر حديث الرجلين اللذين لم يعيدا في مسجد الخيف، وهذا يبين أن هذا متأخر، وأنه ليس بمنسوخ، بل لو قدر التعارض لكان هو الناسخ، ويبين أن قوله: مسجد جماعة المراد به الجماعة الراتبة، سواء كانت تفعل في ذلك المكان دائما أو أحيانا، فإن مسجد الخيف إنما يصلى فيه في الموسم، فهذا نص صحيح صريح خاص أنه أمره بالإعادة وأخبر أنها نافلة، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي، والإمام أحمد أعلمهم بالنصوص، وأتبعهم لها، فلا يكاد يخالف نصا صريحا، وإنما قوله حيث فقد ذلك فقضى بالعامة على الخاصة من غير نزاع، واختلف فيما عدا ذلك، بخلاف غيره الذين لم يبلغهم ما بلغه، وقوله لا صلاة في يوم مرتين يؤكد ما قلنا، فإنه إذا نهى عن ذلك، وثبت عنه في الأحاديث الصحيحة الكثيرة أن إعادة الصلاة نافلة لسبب، وأمره بإعادتها لسبب، وجب اتباع أمره كله، ولم يجز أن نؤمن ببعضه، ونكفر ببعضه، فنجعل السنة عضين.
_________
١ البردين العصر والفجر.
٢ البخاري: الصلاة (٤٤٣) وفي الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (٢٣٩٤)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧١٥)، وأحمد (٣/٣١٩) .
1 / 32