بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الحسين بن علي بن الحسن ابن رسول الله (ص) :
نسبه :
هو الإمام الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) .
لقبه :
الفخي ، نسبة إلى أرض فخ من مكة المكرمة ، الأرض التي استشهد وأهل بيته فيها .
مولده :
ولد (ع) سنة 128 للهجرة تقريبا .
والده :
* هو علي بن الحسن المثلث (ع) ، ويلقب بالعابد لكثرة عبادته ، وكذلك يلقب بالأغر .
* وهو أحد أولئك النفر من أهل البيت (ع) الذين حبسهم أبو جعفر المنصور في المطبق ، وكان أعمامه وبنو عمومته لا يعرفون أوقات الصلاة في سجنهم المظلم إلا بوظائفه من العبادة وقراءة القرآن .
* ومما يؤثر عنه (ع) ، أنه كان وأبناء عمومته في السجن العباسي ، مقيدين بقيود ثقيلة ، فكانوا إذا أحسوا الأمان من الجنود العباسية ، خلعوا تلك القيود ، وإذا أحسوا بقربهم أعادوها ، إلا عابد أهل البيت علي بن الحسن (ع) ، فإنه لم يكن يخلعها ! ، فقال له عمه شيخ آل الرسول وكاملهم عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) : (( مالك لا تحل قيدك ؟ فقال علي العابد (ع) : لا أفعل ! حتى ألقى الله عز وجل فأقول : رب سل أبا جعفر لم قيدني ؟! )) ، فضجر كامل أهل البيت (ع) ، وقال : (( يا بن أخي ، ادع على أبي جعفر . فقال علي العابد (ع) : يا عم ، إن لأبي جعفر منزلة في النار لا يصلها إلا بما يصل إلينا من الأذى ، وإن لنا منزلة في الجنة ، لا نصل إليها ، إلا بالصبر على ما لحقنا في حق الله تعالى من أبي جعفر ، فإن شئت أن أدعو الله تعالى بأن يضع من منزلتنا في الجنة ، وأن يخفف على أبي جعفر من منزلته في النار فعلت . فقال عبدالله المحض (ع) : بل نصبر )) .
* استشهد (ع) مسموما في السجن العباسي ما بين سنة 142 إلى 145 ه . وفيه قتل جماعة أهل بيته (ع) ومنهم عمه عبدالله المحض (ع) .
أمه :
* وهي زينب بنت عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) . أخت الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية ، والإمام إبراهيم النفس الرضية ، لأمهم وأبيهم ، وأمهم هند بنت أبي عبيدة بن عبدالله بن زمعة بن الأسود رضي الله عنها ، وإلى ذلك تشير زينب رحمها الله ، وهي تلاعب وترقص ابنها الحسين (ع) - صاحب الترجمة - وهو صغير فتقول :
تعلم يابن زينب وهند*************** كم لك بالبطحاء في معد
******من خال صدق ماجد وجد *******
* كانت زينب رحمها الله ، وزوجها علي العابد (ع) ، يسمون بالزوج الصالح ، ومما يؤثر عنهما ، أنه في ليلة زواجهما ، قال العابد (ع) لها : ما رأيك أن نحيي الليل بالصلاة ، شكرا لله أن جمعنا ، فما زالا ليلهما يصليان ، فلما جاء من الغد ، قال لها : ما رأيك أن نحيي النهار بالصيام ، شكرا لله أن جمعنا ، فما زالا على هذه الحال فترة من الزمان ، إلى أن أتى إليه عمه عبدالله المحض (ع) وقال له : أرغبت عن سنة جدك ؟! ، أقسمت عليك إلا تركت ! ، وكأن الإمام المحض (ع) ، يريد منه التخفيف من العبادة بهذه الطريقة ، قيام الليل وصيام النهار ، تتابعا .
* أيضا مما يؤثر عن أم الحسين زينب بنت عبدالله رحمها الله ، أنه لما قرع مسمعها ، سم أبي جعفر المنصور لزوجها العابد ، وقتله لأبيها المحض ، وقتله لأخويها محمد وإبراهيم ، كانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها ! ، وهي مع ذلك لا تذكر أبو جعفر بسوء ! ، وكانت لا تزيد على قول : (( يا فاطر السماوات والأرض ، يا عالم الغيب والشهادة ، والحاكم بين عباده ، احكم بيننا وبين قومنا بالحق )) .
نشأة الإمام الحسين الفخي (ع) :
نشأ الإمام الحسين الفخي (ع) في المدينة المنورة ، في حجر والديه ، وعليهما تعلم علوم أهل البيت (ع) ، ثم ما لبث إلا وقد أخذ والده وجده عبدالله المحض إلى السجون العباسية ، وأيضا ما لبث إلا وقرعت مسامعه أنباء استشهادهم ، وكذلك استشهاد خاليه محمد النفس الزكية وإبراهيم النفس الرضية ، فبقي (ع) مع أمه وأبناء عمومته وأخواله يحيى النفس التقية ، وإدريس ، وسليمان ، وموسى الجون ، أبناء عبدالله المحض عليه وعليهم السلام ، وكان علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، قد قام في تلك الفترة على الخليفة العباسي ، في بغداد ، فأخذه المهدي العباسي وسجنه ، فتوجه إليه الإمام الحسين الفخي (ع) ، واستوهبه منه ، فوهبه إياه ، بعد أن دس إليه السم سرا ، وما إن لبث علي بن العباس في المدينة ثلاثة أيام في المدينة المنورة حتى تفسخ لحمه ، وبها مات رحمه الله .
كرم الإمام الحسين الفخي (ع) :
* روى أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل : أن الحسين بن علي الفخي (ع) ، باع حائطا له بأربعين ألف دينار ، فوقف بها على باب دار ، وصار يفرقها على أهل الحاجات ، كفا كفا ، وحفنا حفنا .
* ومما يؤثر عنه (ع) أنه قال : (( والذي نفسي بيده ، إني أخاف ألا تقبل مني - نفقاته وصدقاته - ، لأن الذهب والتراب قد أصبح عندي بمنزلة واحدة )) ، يريد (ع) أن الله تعالى قال : (( )) ، والذهب والمال ، ليست مما يحبه ، وليست بذي بال عنده .
بين العمري والي المدينة ، والإمام الحسين الفخي (ع) في المدينة المنورة :
كان أمير المدينة المنورة في عهد الخليفة الهادي موسى بن محمد العباسي ، هو عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عبيدالله بن عمر بن الخطاب " العمري " ، وكان قد شدد على آل علي بن أبي طالب (ع) ، حتى أنه كان يطلبهم للعرض عليه يوميا ، ويجعل بعضهم يكفل بعضا ، حتى يضمن عدم تغيبهم ، فتغيب الحسن بن محمد بن عبدالله المحض (ع) ، قيل بسبب خلاف وقع بينه وبين شخص عمري ، وكزه الحسن فشجه فغاب ، فغضب الأمير العمري لغياب الحسن بن محمد ، فأرسل في طلب الإمام الحسين الفخي (ع) ، فجيء به (ع) متعتعا ملببا - مشدودا من ثيابه التي على صدره - حتى أدخل على العمري ، فقال له العمري : (( إيتني بالحسن بن محمد ، وإلا والله ملأت ظهرك وبطنك ضربا )) ، فقال الإمام الحسين (ع) : (( إن الحسن بسويقة ، وأنا مقيم بالمدينة ، ولست أقدر عليه ، وهو رجل حر لا يمكنني اقتضابه ، وما أنا له بكفيل )) . فقال له العمري : (( ما يصنع بهذا الكلام ! ، والله لتأتيني به ، وإلا ملأت ظهرك وبطنك ضربا )) ، فقال الإمام الحسين (ع) : (( إن بيني وبينه ستة وثلاثين ميلا ، فأمهلني إذا ، وافتح لي ، حتى أخرج إليه ، وأجيئك به )) ، ثم استحلف وتوعد العمري الحسين (ع) ، وأمهله إلى الغد قبل الزوال .
الإمام الحسين الفخي (ع) في سويقة مع بني عبدالله المحض (ع) :
ركب الإمام الحسين (ع) ، ووصل سويقة ، وهناك بعث إلى الحسن بن محمد ، واجتمع إليه آل عبدالله بن الحسن ، يحيى وإدريس وسليمان ، ثم قال الإمام الحسين (ع) مخاطبا الحسن بن محمد : (( قد بلغك يا بن عم ما كان بيني وبين هذا الفاسق )) ، فقال الحسن بن محمد : (( فامض جعلت فداك لما أحببت ، إن أحببت جئت معك ، حتى أضع يدي في يده الساعة )) ، فقال له الإمام الحسين (ع) : (( ما كان الله ، ليطلع على أن يكون محمد (ص) حجيجي في دمك ، ولكني أقيك بنفسي )) .
فكان اجتماع هؤلاء السادة ، إضافة إلى الظلم الذي يتعرضون إليه ، وما يصيب أمة الإسلام في ذلك الزمان ، من إذلال للأولياء ، وتكريم للظلمة الجفاة ، والإعانة على الظلم والفساد ، واندراس للكتاب والسنة المحمدية الصحيحة ، حتى تأول على غيرر تأويله ، وفسر على غير تفسيره ، كان كل هذا حافزا لهؤلاء النفر من بني الحسن على القيام بفريضة الله على العباد بأعلى مراتبها ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد ، فاجتمعت كلمة بني الحسن على مبايعة ابن أختهم الحسين الفخي (ع) إماما لهم ، فقال الحسين الفخي (ع) : (( نشاور القوم )) ، يعني أبناء عمومتهم ، لأن أهل البيت في ذلك الزمان ، كانوا أقرب إلى بعضهم ، وكانوا ثقل الله الأصغر في الأرض ، لم تفشو المذهبية والعنصرية والقبلية بينهم ، كما حدث في الأعصار المتأخرة ، ومع ذلك فسيبقى منهم طائفة يمثلون خط أهل البيت السابقين (ع) ، فلا تيأس من إيجاد الثقل الأصغر لمجرد علمك بتمذهب جماعاتهم بمذاهب شتى ، نعم ! فبعث الإمام الحسين (ع) إلى الإمام موسى الكاظم (ع) ، وإلى عبدالله الأفطس بن الحسن بن علي بن علي زين العابدين ، فاجتمعوا جميعا على أن لا يعطوا بأيديهم ، وأن يبلوا عذرا في جهادهم .
إلا أن الإمام موسى الكاظم (ع) اعتذر من الإمام الحسين الفخي (ع) في عدم المشاركة في الخروج ، لثقل ظهره ، وكثرة ما يعول من الأبناء ، وقد كان (ع) خاف عليهم القتل بعده على حداثة أعمارهم ، وأما البيعة فقد أعطاها الإمام الحسين الفخي (ع) ، عندما سكت على إجماع من حضر على مبايعة الحسين (ع) ، ويؤكد بيعته ورضاه بإمامة الحسين (ع) هو تأييده الواضح الظاهر لهذا الخروج ، وذلك عندما قال : (( يا بني عمي أجهدوا أنفسكم في قتالهم ، وأنا شريككم في دمائهم ، فإن القوم فساق ، يسرون كفرا ، ويظهرون إيمانا )) ، وهنا تأمل قول الكاظم (ع) : ((وأنا شريككم في دمائهم )) ، لأن البعض يرى أن تخلف الإمام الكاظم (ع) عن المشاركة في المعركة ، كان لعدم رضاه عنها ، أو لأنه لا يرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا باطل قطعا ، فإن اعتقاد أئمة أهل البيت (ع) ، أتباع الإمام زيد بن علي (ع) في قعود الكاظم عن الخروج أنه إنما كان للعذر الذي اعتذر به ، وأنه حريص على تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إن لم يكن باليد فباللسان والقلب ، وكذلك كان حال والده الإمام جعفر الصادق (ع) مع النفس الزكية ، وما احتجنا إلى التنبيه على هذه المسألة ، إلا لما رأينا من غلط الجعفرية من الشيعة على نسبة عدم المبايعة من الكاظم للفخي ، وذلك فيما رواه الكليني في الكافي ، وسننبه عليه عند الكلام عن ماهية البيعة باسم الرضا من آل محمد ، شعار أهل البيت (ع) .
نعم ! وممن بايع الإمام الحسين الفخي (ع) من سادات أهل البيت (ع) ، يحيى النفس التقية وإدريس وسليمان أبناء عبدالله المحض ، وموسى الكاظم ، وعلي بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى ، وعبدالله الأفطس ، وإبراهيم طباطبا ( أبو نجم آل الرسول القاسم الرسي ) بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى ، وعمر بن الحسن بن علي بن علي زين العابدين ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم الغمر ، والحسن بن محمد بن عبدالله المحض ، وكان قد اجتمع له (ع) ستة وعشرون رجلا من ولد علي بن أبي طالب (ع) ، ومن مواليهم قدر خمسة وعشرون رجلا .
الإمام الحسين الفخي في المدينة المنورة :
تقدم الإمام الحسين (ع) بمن معه من سادات أهل البيت ومواليهم يريدون المدينة المنورة ، فدخلوها وقت صلاة الصبح ، وكان شعارهم (( أحد ... أحد )) ، وكان العمري وقتها في المسجد النبوي الشريف ، فاقتحم الإمام الحسين (ع) المسجد ، وهناك قد كان المؤذن يريد الأذان لصلاة الفجر ، فهب عليه النفس التقية يحيى بن عبدالله المحض (ع) وقال له : (( قل في أذانك " حي على خير العمل " )) فتمنع المؤذن ، فلما رأى سيف يحيى بن عبدالله (ع) مصلتا ، أذن بحي على خير العمل بصوت مرعوب ، فلما سمع العمري الأذان ورأى بني فاطمة (ع) ، اقتحم دار عمر بن الخطاب غفر الله له ، ومنها إلى زقاق عاصم حتى نفذ وهرب ، وآل علي (ع) لا يزالون في المسجد ، فتقدم الإمام الحسين الفخي (ع) ، وصلى بالناس الصبح ، ثم صعد على منبر جده رسول الله (ص) ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه (ص) ، ثم قال : (( أيها الناس ، أنا ابن رسول الله ، على منبر رسول الله ، في مسجد رسول الله ، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله ، إلى أن أستنقذكم مما تعلمون ، أيها الناس إنكم تطلبون أثر رسول الله (ص) في الحجر والعود وهذا - ثم مد يده - من لحمه ودمه )) ، فبايعه بعض الحاضرين ، وتخلف عنه البعض .
نص بيعة الإمام الحسين الفخي (ع) :
وكان (ع) عند طلبه البيعات من الناس ، يقول لهم : (( أبايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى ، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه (ص) ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، وعلى أن تقيموا معنا ، وتجاهدوا عدونا ، فإن نحن وفينا لكم ، وفيتم لنا ، وإن نحن لم نف لكم ، فلا بيعة لنا عليكم )) ، ثم يقول اللهم اشهد .
خالد البربري يدخل المدينة المنورة بجيشه :
التحق العمري بعد فراره من المدينة ، بعامل العباسيين على الصوافي خالد البربري ، وهناك هيأ البربري جيشا ، وتوجه إلى المدينة المنورة ، حتى اقتحم المسجد وهو يقدم أصحابه ، وكان الإمام الحسين الفخي (ع) في جانب من المسجد ، فشتمه البربري وأغلظ عليه في الكلام ، فتقدم إليه يحيى بن عبدالله المحض (ع) وقيل أخوه إدريس بن عبدالله (ع) ، وهوى عليه بسيفه فقد البيضة والرفادة والمغفر ، فخر البربري صريعا ، ودارت رحى المعركة ، وكانت الشوكة فيها للإمام الحسين ومن معه ، حتى سمع العمري يقول فيها من هولها : (( أطعموني حبتي ماء )) !! ، فأصبح وبنيه يسمون ببني حبتي ماء .
مسير الإمام الحسين الفخي (ع) إلى مكة المكرمة واحتجازه بفخ :
خرج الإمام الحسين (ع) ومعه من الرجال عدة بدر ، وذلك يوم التاسع عشر من ذي القعدة سنة ستة وتسعون ومائة للهجرة ، وكان ديوانه قد انطوى على ثلاثين ألف رجل من أهل الأمصار ، وكان (ع) قد واعدهم في الصفا ، وجعل بينهم وبينه علامة صاحب الجمل الأحمر ، فعلم الهادي العباسي بخروج الإمام الحسين (ع) إلى مكة ، فأعد الجيوش تلو الجيوش وأرسلها لملاقاة الإمام الحسين (ع) ، منها بقيادة العباس بن محمد ، ومنها بقيادة موسى بن عيسى ، ومنها بقيادة محمد بن سليمان بن علي ، ومنها بقيادة عبيد بن يقطين ، وقد كان موسى بن عيسى قد أرسل حمالا ، ليستطلع له خبر الحسين (ع) وجيشه ، فذهب الحمال وعاد قائلا : (( ما أظن القوم إلا منصورين ))!! ، فعاوده موسى قائلا : (( كيف يا ابن الفاعلة ؟ )) ، فأجابه الحمال : أني (( ما رأيت خلا ولا فلا ، ولا رأيت إلا مصليا ومبتهلا ، أو ناظرا في مصحف ، أو متقلدا سيفا )) ، فضرب موسى بن عيسى يديه على الأخرى ثم بكى! ، وقال : (( هم والله أكرم خلق الله على الله ، وأحق بما في أيدينا منا ، ولكن الملك عقيم ، ولو أن صاحب هذا القبر - يعني الرسول (ص) - نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف )) ، وقد كانت الجيوش العباسية في مكة المكرمة ، تحاول جاهدة ، أن تحجب أخبار الإمام الحسين (ع) عن حجاج بيت الله الحرام ، مع حرص الإمام الحسين (ع) على إرسال الرسول تلو الرسول ، كي يستحث أتباعه وأنصاره ومن كان قد بايعه ، ولكن دون جدوى ، ودون نصير والله المستعان ، فحصر الإمام الحسين (ع) ومن معه في أرض قريبة من مكة المكرمة حرسها الله تعالى ، وتبعد عنها ستة أميال واسمها فخ ، وقد تسمى اليوم بالزاهر أو الزواهرة ، وهناك استعد الطرفين للاقتال في معركة غير متكافئة لا عددا ولا عدة .
خطبة الإمام الحسين (ع) في أتباعه قبل المعركة :
استدار الإمام الحسين (ع) وهو راكب على حمار كان لخاله إدريس بن عبدالله (ع) ، واختطب في أتباعه وشيعته ، بعد حمد الله والصلاة على نبيه ، قائلا : (( يا أهل القرآن ، والله إن خصلتين أدناهما الجنة لشريفتان ، وإن يبقيكم الله ويظفركم ليعملن بكتاب الله وسنة نبيه ، ولتشبعن الأرملة واليتيم ، وليعزن من أعزه الله وأولياؤه ، وليذلن من أذله الحق ، والحكم من أعدائه ، وإن تكن الخصلة الأخرى ، فأنتم تبع لسلفكم الصالح تقدمون عليهم وأنتم داعون إليهم : رسول الله، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، وعبدالله بن الحسن، ومحمد وإبراهيم ابني عبدالله ، فمن أي الخصلتين تجزعون ؟! فوالله لو لم أجد غيري لحاكمتهم إلى الله حتى ألحق بسلفي )) ، وله (ع) خطب غيرها تضمنتها كتب سيرته .
خطبة النفس التقية يحيى بن عبدالله المحض (ع) في أهل فخ قبل المعركة :
خرج يحيى بن عبدالله (ع) راكبا فرسه ، وهو محمل بعزيمة أهل البيت (ع) ، فاستقبل الناس ، حامدا لله ، مصليا على نبيه (ص) ، قائلا : (( أبشروا معشر من حضر من المسلمين ، فإنكم أنصار الله وأنصار كتابه ، وأنصار رسوله وأعوان الحق، وخيار أهل الأرض، وعلى ملة الإسلام ومنهاجه الذي اختاره لأنبيائه المرسلين ، وأوليائه الصابرين، أوما سمعتم الله يقول: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ، التائبون العابدون الحامدون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين}.
ثم قال: والله ما أعرف على ظهر الأرض أحدا سواكم، إلا من كان على مثل رأيكم حالت بينكم وبينه المعاذير، إما فقيرا لا يقدر على ما يحتمل به إلينا فهو يدعو الله في آناء ليله ونهاره، أو غنيا بعدت داره منا فلم تدركه دعوتنا، أو محبوس عند الفسقة وقلبه عندنا، ممن أرجو أن يكون ممن وفى لله بما اشترى منه، فما تنتظرون عباد الله بجهاد من قد أقبل إلى ذرية نبيكم ليسبوا ذراريهم ويجتاحوا بقيتهم؟.
ثم قال:اللهم احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين. )) ، ومن كلام يحيى بن عبدالله(ع) يستنتج الباحث أهمية الدعوة في خط أهل البيت (ع) .
التقاء الحق والباطل ( في ساحة المعركة ) :
تقابل الزيدية وعلى رأسهم إمام الهدى الحسين بن علي الفخي (ع) ، مع العباسيين وعلى ميمنتهم العباسية محمد بن سليمان بن علي العباسي وعلى الميسرة موسى بن عيسى ، والعباس بن محمد في القلب ، وبينا الفريقان متقابلان ، إذ خرج محمد بن سليمان العباسي وسلم على الإمام الحسين (ع) ، وعرض عليه أمان ابن عمه الخليفة الهادي العباسي ، والتمكين والتيسير له في البلاد ، فما كان من الإمام (ع) إلا أن رد قائلا في كلام طويل منه : (( ... أتظن إنما خرجت في طلب الدنيا التي تعظمونها ، أو للرغبة فيما تعرضون علي من أموال المسلمين ؟! ، ليس ذلك كما تظن ، إنما خرجت غضبا لله ، ونصرة لدينه ، وطلبا للشهادة ، وأن يجعل مقامي هذا حجة على الأمة ، واقتديت في ذلك بأسلافي الماضين المجاهدين ، ولا حاجة لي في شيء مما عرض علي ، وأنا نافذ فيما خرجت له ، وماض على بصيرتي حتى ألحق ربي )) ، وفي هذا من الحسين (ع) تحديد لغرضه وغرض أسلافه من الخروج على دول الظلم والعدوان ، وأنه ليس كما تضمنته بعض التواريخ من الرغبة في انتزاع الملك وحسب ، بل طلبا منهم للإمامة الشرعية التي هي في منزلة خلافة ووراثة النبوة ، والتي لها أهداف ومهام الرسول (ص) من تطبيق الأحكام العادلة غير الجائرة والقسم بالسوية والعدل في الرعية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغيرها ، وكان أهل البيت (ع) على اختلاف فروعهم وأزمنتهم وأمكنتهم أحرص الناس على تطبيق هذا المبدأ قدر المستطاع ، واطلع على سيرهم تجد هذا حقا حقا ، وما سيرة الحسين الفخي (ع) إلا أنموذجا وضاء يشهد على صدق كلامنا .
وتشابك الحق والباطل في معركة غير متكافئة حقا ، واستبسل فيها أهل البيت (ع) وشيعتهم الكرام ، فخر سليمان بن عبدالله المحض (ع) صريعا ، وكذلك الحسن بن محمد النفس الزكية ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم الغمر (ع) ، وفي أحداث هذه المعركة يروي بقية السلف الفاطمي الصالح نجم آل الرسول وعالمهم ومحل اتفاقهم ، القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) ، به أو بما معناه ، أن الحسين بن علي الفخي (ع) في أرض المعركة مال إلى جانب منها ، ودفن شيئا ! ، ثم عاد إلى أرض المعركة ملتثما ، وكان قد رآه بعض أصحابه يفعل هذا ، وعند انتهاء المعركة جاء صاحبه ليتفقد ماذا دفن الحسين ، فوجد قطعة من لحم وجه الحسين (ع) والله المستعان ، وما زال الحسين (ع) يستبسل في القتال حتى أتته نشابة أرسلها حماد التركي أخزاه الله فأردته صريعا شهيدا ، فكان هذا هو يوم التروية الثامن من ذي الحجة لعام ستة وتسعون ومائة ، وكبلاء الحسين (ع) كان بلاء أصحابه واستبسالهم ومنهم يحيى بن عبدالله الذي قيل أنه أصبح كالقنفذ لكثرة النشابات في جسمه الشريف ، وكذلك علم الآل إدريس ين عبدالله (ع) فقد غطته الدماء وصبغت ثيابه ، وكان هذين الأخوين ممن نجى من القتل في معركة فخ ، فحملا على عاتقهما اكمال مسيرة ابن أختهم الحسين ، وسلفهم من أهل البيت (ع) ، فأكملوا مسيرة الزيدية المرضية ، فمهد يحيى بن عبدالله للدولة الزيدية في بلاد الديلم وطبرستان ، وكذلك إدريس في بلاد المغرب ، فسلام الله على تلكم الأرواح ، سلاما لا يبلغ مدحته الواصفون ولا العادون ولا القائلون ، وألحقهم بآبائهم الطيبين الطاهرين ، وجعلنا لهم شيعة مخلصين ، مقتدين .. آمين اللهم آمين .. ، وفي هذه السنة المؤلمة على أهل البيت (ع) ، كانت ولادة نجم آل الرسول وترجمان الدين القاسم الرسي (ع) ، وقد كان له شأنا كبيرا في معرفة علوم أهل البيت (ع) ومذاهبهم ومشاربهم الصافية الصحيحة ، لقرب العهد منه بأفاضل أهل البيت (ع) من سادات بني الحسن والحسين عليهم سلام الله أجمعين .
قبر الإمام الحسين الفخي (ع) وموضعه :
قبر الإمام الحسين (ع) في أرض فخ ( الزاهر حاليا ) ، قريبا من مكة المكرمة وتبعد عنها ستة أميال تقريبا ، عند بستان الديلمي ، وقد كان أمير المؤمنين وبقية الآل في زمانه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان الرسي الحسني ، قد حث وطلب من ابن عمه أمير مكة وشريفها أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن الموسوي الحسني ، أن يعيد بناء قبر الإمام الحسين الفخي (ع) ، وقبر الحسن بن محمد النفس الزكية ، وكان ذلك عام 601 ه .
أرض فخ ... وما جاء فيها من الآثار على لسان الرسول (ص) وأهل بيته (ع) :
جاء في أرض في فخ وأنه يقتل فيها رجل من آل رسول الله له من الفضل الشيء الكثير ، من الآثار العديد ، منها عن طريق الحسين ذو الدمعة (ع) عن عمته ريطة بنت عبدالله بن محمد ابن الحنفية ، ومنها عن طريق جعفر الصادق (ع) ، ومنها عن طريق سفيان بن عيينة عن علي بن أبي طالب (ع) وإخباراته المستقبلية ، ومنها عن طريق موسى الجون (ع) عن أبيه شيخ آل الرسول عبدالله المحض (ع) ، أشرنا إليها وإلى مصادرها مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، والشافي للإمام عبدالله بن حمزة الحسني (ع) ، والمصابيح لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) ، والإفادة في تاريخ الأئمة السادة للإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، فلتراجع .
[ مقدمة بحث حول دعوات سادات أهل البيت باسم الرضا من آل محمد (ع) ]
يغلط البعض الكثير من الإخوة الجعفرية ، في تفسير دعوات سادات بني الحسن والحسين (ع) ، باسم الرضا من آل محمد ، فيجعلون هذه الدعوات دعوات إلى أشخاص أئمتهم الإثني عشر ، وعلى أنهم هم المقصودون بالرضا من آل محمد ، أي أن الدعوة لهم وباسمهم وبتصرفهم ، وأن القائم بالدعوة من أبناء عمومتهم كزيد بن علي (ع) إنما كان داعية لإمامة ابن أخيه جعفر الصادق على أنه الرضا من آل محمد ، وكذلك الحسين الفخي وأنه إنما كان يقصد بالرضا من آل محمد ابن عمه موسى الكاظم ، لا إمامة نفسه ، وهذا وهم ، وإن كان الجعفرية لم يقولوا بهذا إلا في حق زيد بن علي ، ولكن السيد حسين المدرسي يحاول في كتابه التاريخ الإسلامي التعميم على جميع أئمة الزيدية ، وهو لم يثبت عن زيد بن علي (ع) فضلا عن أن يثبت على يحيى بن زيد والنفس الزكية والنفس الرضية والحسين الفخي (ع) ، وإنما قلنا أنه وهم ، لأن الحقيقة هو أن هؤلاء السادة خرجوا داعين لإمامة أنفسهم ، وإن دعوا إلى الرضا من آل محمد ، فهم الرضا من آل محمد ، دعا بها زيد بن علي وهو الرضا ، ودعا بها النفس الزكية وهو الرضا ، ودعا بها الحسين الفخي (ع) كما مر بك في سيرته وهو الرضا ، وسنخص الكلام هنا على الإمام الحسين الفخي (ع) - صاحب الترجمة - ، وما مدى أبعاد دعوته إلى الرضا من آل محمد ، ومن هو الرضا الذي يقصده ، ومناقشة - كما وعدنا - ما رواه الجعفرية حول عدم مبايعة الكاظم له ، ثم بيان وجه الحق في هذا المقال .
[الدعوة إلى الرضا من آل محمد عليهم وعلى جدهم أفضل الصلاة والتسليم :]
الدعوة إلى الرضا من آل محمد (ع) ، كان شعارا توارثه أئمة أهل البيت (ع) ، يتعالمون به دعواتهم بالإمامة ، دعواتهم الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، القائمة بما كان يقوم به جدهم رسول الله (ص) ، قدر المستطاع مع إبلاء الجهد في تحقيق تلك الأهداف السامية .
[ لماذا تقوم الجعفرية باستقطاب دعوات سادات بني الحسن والحسين على أنها دعوات لأئمتهم ]
وهذا تساؤل يجب أن يسأل عنه كل ذو لب سليم ، ونحن نجيب عليه باختصار غير مخل إن شاء الله تعالى ، فنقول : أن الجعفرية أدركت ضعف جانبها ، ومدى دهاء وعظمة أن يكون هؤلاء السادة من بني فاطمة أمثال زيد بن علي وابنه يحيى ومحمد النفس الزكية وإبراهيم النفس الرضية والحسين الفخي ، الذين دانت الأمة جمعا بفضلهم وتقدمهم على أهل أعصارهم ، ومدى عبادتهم وحسن مذاهبهم ، مدى دهاء وعظمة أن يكون هؤلاء وأمثالهم على جهل بأئمة أزمانهم المعصومين الإثني عشر ، فالدعوة إلى الرضا من آل محمد من زيد بن علي (ع) ، إلى إمامة نفسه ، تعني جهل الإمام زيد (ع) بإمامة ابن أخيه جعفر الصادق ، تعني جهل الإمام زيد (ع) بالنص الإثني عشري برمته ، والإمام زيد هو من هو في القرب من بيت المعصومين فأبوه زين العابدين رابع الإثني عشر ، وأخوه الباقر خامس الإثني عشر ، وابن أخيه جعفر الصادق سادس الإثني عشر ، فادعاء زيد الإمامة لنفسه ، تضعف معرفته بالنص على هؤلاء الأئمة بأسمائهم وأعدادهم ، وهذا يكون على حجة عظمى عندما يكون أبناء الأئمة لا يعلمون أئمة أخوتهم وأبناء إخوتهم الإمامة الربانية النصية ، وأمثال هذا المثال كثير لدى الجعفرية ، وفيه فليتأمل الباحث ، نعم ! والدعوة إلى الرضا من آل محمد من محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع) ، إلى إمامة نفسه ، تعني جهل النفس الزكية بإمامة ابن عمه جعفر الصادق (ع) ، تعني جهل النفس الزكية (ع) بالنص الإثني عشري برمته ، والإمام محمد بن عبدالله المحض (ع) معروف بألمعيته وعلو شأنه في العلم والورع والتدين ، والقرب من صالحي أهل البيت (ع) ، هذا وقد حشر الجعفرية بعض الأدلة في الاستدلال على دعوة الإمام زيد بن علي (ع) إلى الرضا من آل محمد قاصدا بالرضا ابن أخيه ، لا نفسه ، وهي باطلة قطعا ، وليس هذا المختصر محل نقاش وإثبات بطلانها ، ومع ذلك فإن الجعفرية وإن اجتهدوا في غمط زيد بن علي (ع) إمامته ، فإنهم لن يستطيعوا استجلاب أو تحوير أو تبديل أدلة ادعاء النفس الزكية (ع) [ تلميذ عمه زيد بن علي ، وأحد المشاركين معه في ثورته ] للإمامة باسم الرضا من آل محمد ، قاصدا نفسه بالرضا ، لا غيرها ، وهذا الحدث مما يعلم بالضرورة ، لا ينكره إلا مباهت ، وأكد عليه السيد الخوئي في معجمه ، وجعله من الأمور التي لا خلاف حولها ، فإن أراد الجعفرية إسقاط شناعة جهل الإمام زيد بن علي (ع) بإمامة ابن أخيه الصادق (ع) ، فإنه لا يسقط عنهم شناعة جهل النفس الزكية (ع) بإمامة ابن عمه جعفر الصادق (ع) ، ولا يسقط عنهم شناعة جهل النفس التقية يحيى بن عبدالله (ع) بإمامة ابن عمه موسى الكاظم (ع) ، ولا يسقط عنهم شناعة القاسم الرسي (ع) بإمامة ابن عمه محمد الجواد (ع) ، وكذلك الحال مع -صاحب الترجمة - الإمام الحسين الفخي وجهله بإمامة ابن عمه موسى الكاظم (ع) ، وهنا سنذكر أدلة دعاء الحسين الفخي (ع) إلى الرضا من آل محمد ، وأنه كان الرضا ، لا غيره .
[ نظرة سادات أهل البيت في أزمانهم إلى الرضا من آل محمد ومن هو ؟ ]
أ- قال الحافظ مسند أهل الكوفة ومحدثها وفخر الزيدية أبي عبدالله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) في كتابه الجامع :
1- قال محمد بن منصور المرادي - رحمه الله -: سألت أحمد بن عيسى [ بن زيد بن علي زين العابدين ] (ع) ، عن الدعوة هل إلى الرضا من آل محمد ؟ فقال: (( نعم، الدعوة إلى الرضى، ثم قال: الذي يقوم هو الرضى، ولكنها دعوة جامعة )) . هذا وأحمد بني عيسى (ع) ممن عاصر دعوات بني فاطمة ، وهو الذي ما بينه وبين جده زيد بن علي (ع) إلا أب واحد فقط !! .
2- عن محمد بن منصور المرادي - رحمه الله -، قال: قلت لأحمد بن عيسى (ع) : حدثني عبدالله بن موسى [ الجون بن عبدالله المحض بت الحسن المثنى ] أن زيد بن علي، ومحمد بن عبدالله، وحسين بن علي صاحب فخ (ع) : دعوا إلى الرضا ، فقال [ أحمد بن عيسى (ع)]: (( صدق، دعاني الحسين صاحب فخ إلى الرضا ، وهو كان الرضا )) . وهنا تأمل ربط زاهد الآل عبدالله بن موسى الجون (ع) بين دعوة زيد بن علي وعمه النفس الزكية ، ربطها بالدعوة إلى الرضا من آل محمد ، مع العلم أن الأخير كان قد دعا إلى نفسه بلا شك من الجعفرية في ذلك ، ودعوة الإمام زيد بن علي (ع) كانت كدعوة النفس الزكية مثلا بمثل ، وكيف لا تكون الدعوات متشابهة فيما بينهما ، والنفس الزكية هو القائل : ((أما والله لقد أحيا زيد بن علي ، ما اندثر من سنن المرسلين، وأقام عمود الدين إذ اعوج، ولن نقتبس إلا من نوره، وزيد إمام الأئمة )). أيضا تأمل قول أحمد بن عيسى (ع) أن الحسين الفخي (ع) دعاه إلى الرضا ، وأنه كان هو الرضا ، عندها أيقن أن الدعوة باسم الرضا إنما كانت لأشخاص القائمين عليها ، لا لغيرهم كما توهمت الجعفرية .
ب - روى الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (ع) .
3- عن الإمام نجم آل الرسول القاسم الرسي (ع) ، قال : حدثني أبي [ إبراهيم طباطبا أحد المبايعين للحسين الفخي (ع) ] ، قال : (( بايعنا الحسين بن علي الفخي (ع) على أنه هو الإمام )) . وهنا تأمل أنه قد ثبتت دعوة الحسين الفخي (ع) إلى الرضا من آل محمد ، فيأتي شيخ الزيدية إبراهيم طباطبا ليؤيد أنه بايع الحسين الفخي على أنه الإمام ، بالرغم من دعوة الحسين (ع) إلى الرضا ، فهو الرضا .
[ بيعة الإمام موسى الكاظم (ع) ، للإمام الحسين الفخي (ع) ]
تحاول الزيدية جاهدة لإبراز أهل البيت (ع) في أزمانهم ، بصورة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضار بالسهر والحمى ، وليس في محاولاتهم هذه أي تعسف في المقال ، أو بعد عن الصواب ، لأنه الواقع الذي تستنتجه الفطرة السليمة ، قبل المصادر التاريخية والروائية ، وخصوصا في من كان منهم قريبا بعهد رسول الله (ص) ، الحسن بن الحسن وعلي بن الحسين ، الباقر وزيد بن علي ، الصادق والنفس الزكية ، الكاظم والحسين الفخي ، .. إلخ . ولكن الجعفرية للأسف تسعى لخلق فجوات عميقة المدى بين سادات بني الحسن وسادات بني الحسين ، بل بين سادات بني الحسين أنفسهم ، والله المستعان ، ونحن عندما نكتب هذه السطور غير راغبين بإبراز الجعفرية بهذا اللباس ، لأننا نعلم أنهم اليوم لا يحبونه ، وقد لا يدينون الله به ، ولكن أصول مذهبهم تحتم عليهم الاختيار لواحد من اثنين : 1) إما موالاة أئمتهم الإثني عشر ، وصف أئمة الزيدية في مصاف الخارجين عن طاعة الإمام ، المستبدين على حق أعطاه الله له ، ولا موالاة لمن هذه صفته . 2) وإما موالاة أئمتهم الإثني عشر ، وموالاة أئمة الزيدية واعتقاد أن الجميع على صواب ، وهم بهذا سيفتحون على أنفسهم نوافذ عديدة ، تدينهم . والأمر لهم وعليهم ، ويهمنا هنا هو بيان سبب قولنا في الوجه الأول من صف سادات بني الحسن والحسين أئمة الزيدية في عداد الخارجين الباغين المتسلطين ، حتى لا نكون بذلك ممن يرمون بالكلم لا يملكون عليه دليلا ، وذلك أن الجعفرية قد روت أحاديثا شنيعة تصور لنا ما كان بين زيد بن علي (ع) وابن أخيه الصادق ، ولن نذكرها لعدم ثبوت حجيتها عند الجعفرية مع ثبوت روايتهم لها ، ولكنا سنعرج على سيرة ما بين الإمامين الأعظمين محمد النفس الزكية وابن عمه جعفر الصادق عند الجعفرية لأنا سنحتاجها في الكلام حول الفخي والكاظم ، فتصف الجعفرية أنه قد جرى بينهما من الاختلاف ما أدى بالنفس الزكية إلى إرغام الصادق (ع) على البيعة له ، وإن أبى فالسجن ملجأه ، ووصف الباقر للنفس الزكية بأنه الأحول المشؤوم الداعية إلى الباطل ، ثم نعرج على أصل كلامنا وهو علاقة ما بين الكاظم والحسين الفخي (ع) حال طلب البيعة ، فيروي ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني بسنده في كتابه الكافي :
(( لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ ، واحتوى على المدينة، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة، فأتاه فقال له: يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك - يقصد النفس الزكية - عمك أبا عبدالله - جعفر الصادق - فيخرج مني ما لا أريد ، كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد!!، فقال له الحسين: إنما عرضت عليك أمرا فإن أردته دخلت فيه، وإن كرهته لم أحملك عليه والله المستعان، ثم ودعه، فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه : يا ابن عم إنك مقتول ، فأجد الضراب ، فإن القوم فساق ، يظهرون إيمانا ويسترون شركا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون، أحتسبكم عند الله من عصبة )) .
نقد الرواية ، واستنتاجات مهمة حولها :
أولا : هذه الرواية تثبت أن الدعوة من الإمام الحسين الفخي (ع) باسم الرضا من آل محمد هي إنما كانت لشخص الداعي إليها ، وليست إلى غيره ، بدليل : طلب الإمام الحسين (ع) البيعة من موسى الكاظم (ع) . وهذا يفتح للباحث آفاقا واسعة للبحث في ماهية دعوات الرضا من آل محمد .
ثانيا : هنا بمجرد إثبات الجعفرية طلب الحسين الفخي (ع) البيعة من ابن عمه الإمام موسى الكاظم ، انتفت معرفة الإمام الحسين الفخي (ع) ، بإمامة ابن عمه الإمامة النصية الإثني عشرية المتسلسة ، انتفت معرفة الإمام الحسين الفخي بالنص من جده رسول الله (ص) بإمامة أبناء عمومته القريبي الوشيجة والرحم معهم ، وهذا أيضا يفتح للباحث آفاقا واسعة للبحث في ماهية صدق النصوص التي يرويها الجعفرية والدالة على إمامة الإثني عشر ، وأن أفاضل معاصري الأئمة يجهلونها .
ثالثا : أن الإمام الكاظم (ع) يرفض مبايعة الحسين (ع) عندما دعاه ، ويقول له : ((يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك - يقصد النفس الزكية - عمك أبا عبدالله - جعفر الصادق - فيخرج مني ما لا أريد ، كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد!! )) ، وهنا تتضح لك معالم العلاقات السيئة التي يرسمها الجعفرية بين سادات بني الحسن والحسين ، إذ في هذا الكلام من الكاظم تأكيد لسوء العلاقة بين أبيه الصادق والنفس الزكية ( ونحن ننزههما عن كل ما يشين ، ونروي مساندة الصادق ومبايعته لابن عمه النفس الزكية ) ، وكذلك ننزه الإمام الكاظم (ع) من صدور هذه التهددات عنه في حق الحسين الفخي بقوله : ((فيخرج مني ما لا أريد )) ، ونروي مبايعة الكاظم (ع) للحسين الفخي وحضوره اجتماع سادات بني الحسن (ع) ، وإقراره على ما أقروا عليه .
اعتراض : لو قال جعفري : أن الإمام الحسين الفخي والنفس الزكية ، إنما خرجا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط ، بدون ادعاء للإمامة ، وأنهم معترفين مقرين بإمامة أئمة أزمانهم من الإثني عشر ، وأنهم إنما كانوا دعاة لهم .
جوابه : تماشيا ما كلامك أخي المعترض ، وإغماضا للعيون عن النصوص الثابتات التي تثبت خروجهم مدعين للإمامة ، فهل للداعية الفخي (ع) أن يدعو إمامه الشرعي الرباني موسى الكاظم إلى البيعة ؟ وهل للكاظم (ع) على ضوء الرواية السابقة أن يرفض بيعة داعيته ؟ فإن عرفت سقم وضعف العبارات السابقة ، وضعف الاعتراض ، فعضد هذا المثال : بأن هل للداعية النفس الزكية (ع) أن يدعو إمامه الشرعي الرباني جعفر الصادق إلى البيعة ، بل وإرغامه عليها ( كما وصفت الروايات الجعفرية ) ، ثم عضد ما سبق : بأن هل للداعية النفس التقية يحيى بن عبدالله المحض (ع) أن يغلظ الكلام على إمامه الشرعي الرباني موسى الكاظم (ع) وأن يصفه باحتجاب الأمر هو وأبوه فإذا عرفت بطلان هذا الفعل وهذا التصرف ، عرفت حينها بطلان اعتراضك ، وأن من يقول به فإنما يريد أن يسلي نفسه وأن يقارب ويسدد ، ولو كان هذا منه على حساب إنصافه وعدم اقتناعه وخداعه لنفسه ، ولغيره بما يحاول أن يقولبه لهم إن كان من الباحثين ، الداعين ، المرشدين .
وإكمالا لسد ثغرات هذا الاعتراض الركيك ، نذكر ما جرى بين النفس التقية يحيى بن عبدالله المحض (ع) وبين الإمام موسى الكاظم (ع) ، ونحرص على إبراز جهل يحيى بن عبدالله بإمامة موسى الكاظم ، حتى أتى من يخبره بهذا الأمر بعد أن قام ودعا ( وهي مدة طويلة لا ينبغي من النفس التقية أن يكون جاهلا بهذه الإمامة في حق ابن عمه بطولها ) ، ثم ننوه على استنباط الروح العدوانية التي تصورها الرواية الجعفرية فيما بينهما ، وما يستحق التركيز عليه هو أن الإمام الكاظم (ع) ينصح ويحث النفس التقية بطاعة وبر الخليفة العباسي هارون الرشيد والله المستعان ، ويا له من تناقض بين موقف الكاظم هنا من الخلافة العباسية ، وموقفه من الخلافة العباسية في عهد الحسين الفخي عندما وصمهم بالفسق وأنهم يظهرون إيمانا ويسترون شركا .
فيروي ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني في الكافي أنه قد كان : (( كتب يحيى بن عبدالله بن الحسن إلى موسى بن جعفر (ع) :
" أما بعد فإني أوصي نفسي بتقوى الله ، وبها أوصيك ، فإنها وصية الله في الأولين ووصيته في الآخرين ، خبرني من ورد علي من أعوان الله على دينه ونشر طاعته بما كان من تحننك مع خذلانك ، وقد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد (ص) ، وقد احتجبتها واحتجبها أبوك من قبلك ، وقديما ادعيتم ما ليس لكم وبسطتم آمالكم إلى ما لم يعطكم الله ، فاستهويتم وأظللتم وأنا محذرك الله ما حذرك الله من نفسه "
فكتب إليه أبوالحسن موسى بن جعفر (ع) :
" من موسى بن أبي عبدالله جعفر ، وعلي مشتركين في التذلل لله وطاعته ، إلى يحيى بن عبدالله بن حسن، أما بعد : فإني أحذرك الله ونفسي ، وأعلمك أليم عذابه وشديد عقابه، وتكامل نقماته، وأوصيك ونفسي بتقوى الله ، فإنها زين الكلام وتثبيت النعم، أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع وأبي من قبل ، وما سمعت ذلك مني (تأمل) ، وستكتب شهادتهم ويسألون ، ولم يدع حرص الدنيا ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم، حتى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم (تأمل) ، وذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك (تأمل) ، وما منعني من مدخلك الذي أنت فيه ، لو كنت راغبا ضعف عن سنة ولا قلة بصيرة بحجة ، ولكن الله تبارك وتعالى خلق الناس أمشاجا وغرائب وغرائز، فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما : ما العترف في بدنك وما الصهلج في الإنسان ، ثم اكتب إلي بخبر ذلك ، وأنا متقدم إليك أحذرك معصية الخليفة ، وأحثك على بره وطاعته ، وأن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان، فتروح إلى النفس من كل مكان ولا تجده، حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله فيؤمنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول الله ، والسلام على من اتبع الهدى، إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى .
قال الجعفري (الرواي): فبلغني أن كتاب موسى بن جعفر (ع) وقع في يدي هارون فلما قرأه قال: الناس يحملوني على موسى بن جعفر ، وهو برئ مما يرمى به )) . انتهت الرواية والله المستعان ، والعاقل خصيم نفسه ، ودأب الباحث التمحيص فيما وراء السطور ، حتى يحصل على اليقين ، ولا تميل به الرجال عن يمين وعن شمال ، وبهذا وبما ذكرناه سابقا ، نوضح ما نعنيه في الوجه الثاني ، من أن الجعفري وإن حاول التلبس بثياب الولاء لهؤلاء السادة من أئمة الزيدية مع الولاء لأئمته الجعفرية ، فإنه سيفتح على نفسه نوافذ عديدة قد لا يستطيع الجمع بينها ، إلا بتحكيم العقل ، وترك الهوى والتعصب لآراء الرجال . وإذ قد ذكرنا ما ذكرنا ، فإنه وجب علينا بيان وجه الحق فيما سبق من المقال :
وجه الحق في علاقة أئمة أهل البيت (ع) ببعضهم البعض :
تؤمن الزيدية بفضل أصحاب الفضل من سادات بني الحسن والحسين ، والكل عندهم معدن النبوة ، ومحل الرئاسة والزعامة في الدين والدنيا ، يتفاضلون بالعمل والتقوى ، القائم المجاهد في سبيل الله أفضل من القاعد ، وهذا نص الله سبحانه وتعالى ، ولا نعدوه ولا نزيد عليه ، فقال عز من قائل كريما : ((لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما )) فالقائم المجاهد أفضل من القاعد ، والكل وعدهم الله بالحسنى . وكذا أهل البيت (ع) .
وتؤمن بمحبة الصادق للنفس الزكية ومناصرته له بالنفس والولد ، وكذلك الحال بين الإمام الفخي (ع) وموسى الكاظم (ع) ، وأن هؤلاء وإن تخلفوا عن المشاركة في ميادين الوغى مع أبناء عمومتهم ، فإنهم كانوا بقلوبهم وبدعاءهم معهم مشايعين مناصرين .
تؤمن الزيدية بقيام أئمة الجعفرية الذين هم أئمتنا وأعلامنا في حلالنا وحرامنا ، بقيامهم بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر المستطاع وإن لم يشاركوا بأعلى مراتبها وهي اليد ، لأن مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاث أعلاها وأفضلها اليد وأدناها التغيير بالقلب وأوسطها التغيير باللسان ، فانتفاء صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد ، لا يعني انتفائها عن اللسان والقلب ، وكذلك كان السجاد (ع) عندما صعد المنبر بحضرة طاغية المسلمين يزيد ، وكذلك كان جعفر الصادق عندما انتهر من يسب سادات أهل البيت على المنبر النبوي ، وكذلك حال سادات بني الحسن والحسين ممن لم يؤثر عنهم مواقف ثورية في ميدان الوغى ، وهذه هي نظرة الزيدية إلى أئمة الجعفرية (ع) ، لأن البعض ، قد يعتقد وصم الزيدية للباقر (ع) بإسدال الستر وإرخاءه ، هو رضاه بحكم طواغيت بني أمية هشام وأذنابه ، وهذا باطل ، أو أنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر مطلقا بمجرد عدم خروجه بالسيف ، وهذا أيضا باطل ، لأن السيف واليد ما هي إلا مرتبة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويليها مراتب ، والاختلاف هنا في الأجر والفضل ، ومرتبة اليد أفضلها وأجلها ، والقلب أضعفها ، وكذلك كل ما يوهم الركون إلى الظلمة والطواغيت من أئمة أهل البيت (ع) القائمين والقاعدين ، فإنهم منزهين عنه ، وعن الاعتقاد به ، إذ لو كان هذا اعتقادهم ما كانوا لنا أئمة هدى ، ولا كانوا لنا مرجعا في أمور الدين والدنيا ، أعزهم الله من هذا الاعتقاد .
وتؤمن الزيدية أن متقدمي أهل البيت (ع) على مذهب واحد ، لا ثاني له ، وأنهم مهما اختلفوا فإنهم لا يجمعون على باطل قطعا ، وإجماعهم حجة لأنهم الثقل الأصغر الملازم للكتاب الكريم .
وتؤمن الزيدية أنه ستبقى فرقة من أهل البيت سائرة على خطى سلفها الصالح حذو القذة بالقذة ، ينطبق عليهم لقب الثقل الأصغر كما انطبق على أسلافهم الماضين ، وبهم يتحقق حديث الثقلين والسفينة ، وما رأينا فرقة من فرق المسلمين ضمت واحتوت من أعلام الذرية الزكية المرضية ، ما حوته الزيدية إلى يومنا هذا ، سيدا يعقب سيد ، إمام يتلو إمام ، قائم يتلو قائم ، مجمعون على عقيدة في الله واحدة ، فالزمها تركب سفينة نوح ، وإن كنت تجهلها فقد لزمتك الحجة على نفسك بقراءة هذه الأسطر ، فحث الخطى إلى الاستزادة عنها ، وأما الجاهل فإنه عدو نفسه ، فلا عليك منه ، ولا تكترث به ، لأنه يهرف بما لا يعرف ، ويقول بما يقال لا بما يقول !! ، واعتمد على نفسك ، وما يمليه عليك بحثك وتحريك ، لأن الضائقة عليك ، والقبر لن يحوي غيرك ،والله المستعان . وبهذا نختم كلامنا ، فسلام الله على أهل بيت النبوة والرحمة المذهب عنهم الرجس ، نجوم السماء وملاذ الورى.
8/1/1426 ه
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي وعلى آله الأخيار الأطهار الأبرار .
पृष्ठ 43