مشرفين مجالس آل محمد (ع)
---------------
ترجمة / الإمام الرضا الحسن بن الحسن بن علي (ع) .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتابعين لهم بخير وإحسان إلى يوم الدين .
الإمام الرضا الحسن بن الحسن ابن رسول الله :
نسبه (ع) :
هو الإمام الرضا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، عليه وعلى آبائه السلام.
مولده (ع) :
لم تشر المصادر التاريخية إلى تاريخ ولادة إمامنا الحسن بن الحسن (ع) ، بالضبط والدقة ، ولكنها ذكرت لنا ما نستطيع من خلاله استنتاج تاريخ مولده (ع) ، فهذا أبو العباس الحسني أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن الإمام محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت353ه) ، يذكر في كتابه (المصابيح) ، أن الحسن بن الحسن (ع) شارك في معركة كربلاء ، وعمره عشرون عاما ، أو تسعة عشر عاما ، والمعلوم أن واقعة الطف (كربلاء) وقعت عام 61ه ، فيكون تاريخ مولد الحسن بن الحسن (ع) بهذا في سنة إحدى وأربعين للهجرة (41ه) ، وهي السنة التي صالح فيها الإمام الحسن السبط (ع) معاوية بن أبي سفيان ، وهنا يكون هناك احتمالان لمكان ولادته صلوات الله عليه ، إما في الكوفة ، أو المدينة المنورة ، وهذا الالتباس فيزول على فرض أن مولد الحسن بن الحسن (ع) كان في السنة الثانية والأربعين للهجرة (42ه) ، (على افتراض أن عمره حال المعركة تسعة عشر سنة) ، فيكون مكان ولادته (ع) قطعا بالمدينة المنورة .
لقبه (ع) :
لقب الحسن بن الحسن (ع) ، ب ((الرضا)) ، وذلك لما اجتمع عليه أنصاره ومريدوه -كما سيأتي- ، ورضوا به إماما لهم ، فسموه بهذا الرضا ، والمعلوم أن سادات آل محمد من بني الحسن والحسين ، عندما تنطلق دعواتهم بالإمامة إلى الأمصار ، فإنها تكون باسم الرضا من آل محمد ، أي باسم من يرضاه ويرتضيه الناس لسبقه بالخيرات ، فلصق هذه اللقب (الرضا) بإمامنا الحسن بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام ، وذلك لما ارتضوه إماما فيما بينهم وبين ربهم ، وأجابهم وقام معهم .
ويلقب أيضا بالحسن ((المثنى)) ، والظاهر والله أعلم أنها تسمية متأخرة على عصره (ع)، وهذا اللقب فللتمييز بينه وبين أبيه الحسن السبط ، وبين ابنه الحسن المثلث ((الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) )).
والده (ع) :
والد إمامنا الرضا (ع) ، هو إمامنا الحسن السبط ابن إمامنا علي المرتضى ابن أبي طالب ناصر رسولنا وقدوتنا محمد بن عبدالله (ص) ، فهو كما ترى فرع من دوحة نبوية علوية باسقة يانعة ، والحسن بن علي (ع) فغني عن التعريف والإطراء ، سبط رسول الله ، وبكر الوصي والزهراء ، وشبيه رسول الله (ص) ، سيد الناس هيبة وسؤددا .
والدته (ع) :
والدة إمامنا الرضا (ع) ، هي خولة بنت منظور بن زيان (ويقال ريان ورباب) بن سيار الفزاري الغطفاني رضي الله عنها ، تزوجها الإمام الحسن بن علي (ع) ، فأعقب منها محمد الأكبر وبه يكنى ، والحسن بن الحسن .
نشأته (ع) :
نشأ الإمام الحسن بن الحسن (ع) ، في كنف والده الحسن السبط ، في دار جده علي ، وجدته فاطمة البتول الزهراء (ع) ، عاش حياة مليئة بالإرهاب الأموي ، إذ أن فترة طفولته (ع) كانت من أسوأ الفترات التي تحيط بأهل بيت النبوة ، فعيون بني أمية مشددة الوطأة على كل داخل للحسن بن علي ، وعلى كل خارج من عنده ، ثم لم يلبث إمامنا الحسن المثنى (ع) ، وهو في التاسعة من العمر ، إلا وقد استشهد أباه مسموما (سنة50ه) ، فتربى في أحضان عمه الحسين بن علي (ع) ، فأخذ عنه شمائلا علوية فاطمية محمدية ، واغترف من علومه غرفا طالوتية ، فالحسن المثنى يقينا لم يكن يعتبر نفسه إلا عند والده بعد والده ، ومن هنا زاد تعلقه بعمه الحسين ، والحسين فكان يكرمه ويحبه ، فحصل وأن قصد الحسن بن الحسن عمه الحسين يريده أن يزوجه إحدى بناته، فاختار له الحسين فاطمة ابنته ، وكانت أحب بناته إلى قلبه وأشدهم شبها بفاطمة الزهراء (ع) ، فعقد له الحسين عليها ، ولكن دون دخول ، وهذا فنخمن أن يكون في ما بين ((58-60ه)) ، وهذا فيزيد الأواصر بين الحسن وعمه قوة إلى قوة ، نعم! تشرب إمامنا الحسن وصايا جده أمير المؤمنين الحاثة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والقيام بحجة الله في الأرض ، فعاش يقاسي مع عمه ظلم معاوية ، ثم ابنه يزيد ، المنكر يؤمر به ، والمعروف ينهى عنه ، أبو تراب يسب على المنابر ، وآل بيت رسول الله مضطهدين ، الظلم منتشر ، والأمن منعدم ، كل هذا جعل أبا عبدالله يهب هبة الأسد ، ويزأر زأرة الحق في وجه الظلم ، أن لو ترك القطا لغفا ونام، فتحرك بنفسه وأهل بيته وأصحابه ممتثلا لأمر الله تعالى : ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) ، لم يترك إمامنا الحسن بن الحسن عمه في هذه المعركة ، بل شاطره فكره وثورته على الطغيان ، هذا كله وعمر الحسن بن الحسن عشرون سنة ، بدأت المعركة واستبسل الحسين وأهل بيته وأصحابه ، الكل يتسابق للنصر أو الشهادة ، فاستشهد الحسين ، وقتل عدة من أهل بيته وأصحابه ، وسقط إمامنا الحسن بن الحسن على أرض المعركة مثخنا بالجراح به رمق الحياة ، فأرادوا أن يخلصوا عليه لولا تدخل وتوسط خاله أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري ، وخؤولته له جاءت من جهة كونه فزاري قريب من بني المنظور بن زيان والد خولة أم الحسن بن الحسن ، نعم ! تدخل أسماء بن خارجة وأخذ الحسن بن الحسن إلى بيته بالكوفة ، وهناك عمل على معالجة جراحه ، وبقي عنده لمدة ثلاثة أشهر ، ثم عاد إلى المدينة المنورة ، وهناك دخل بابنة عمه فاطمة بنت الحسين (ع) ، وتفرغ للعبادة ونشر العلوم ، مع الحرقة على انتشار الفساد في البلاد ، وقام على صدقات وأوقاف جده أمير المؤمنين ، ولم يكن من بني فاطمة في ذلك الزمن من الرؤوس إلا هو ، وأخوه زيد ، وابن عمهما علي بن الحسين زين العابدين ، وكانت تجمع الجميع رابطة أخوية قوية ، مبدأهم ومذهبهم وهدفهم واحد ، فصلوات الله عليهم وعلى آبائهم وأخيار ذريتهم إلى يوم الدين .
بين الحسن بن الحسن ، والحجاج بن يوسف ، وعبدالملك بن مروان (ع) :
في عام 74ه ، ولى الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان ، الحجاج بن يوسف الثقفي إمارة المدينة المنورة ، وهناك احتك بإمامنا الحسن الرضا (ع) ، وأراد أن يرغمه على إدخال عمه عمر بن علي رضوان الله عليه في صدقات أمير المؤمنين ، فرفض الحسن بن الحسن إدخاله بعذر عدم اشتمال شرط علي (ع) على هذا ، وأنه لن يغير شرط علي الذي اشترطه في هذه الصدقات ، فلما رأى الحسن بن الحسن (ع) أن الحجاج مصر على موقفه ، تغافله (ع) ، وخرج من المدينة ، قاصدا وشاكيا إلى الخليفة عبدالملك بن مروان ، وهناك وفي قصر الخلافة طلب إمامنا الإذن بالدخول على الخليفة ، فلقيه رجل يقال له يحيى بن الحكم ، فسال الحسن عن حاجته ، ووعده أن ينفعه بين يدي الخليفة ، فما لبثا إلا وقد أذن لهما بالدخول ، فاستقبلهما عبدالملك بن مروان ، وقال للحسن (ع) : لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمد ، فقاطعهما يحيى بن الحكم ، قائلا : وما يمنعه يا أمير المؤمنين ، شيبه أماني أهل العراق ، كل عام يقدم عليه منه ركب يمنونه الخلافة. فرد عليه إمامنا الحسن (ع) ، مبينا أن هذا التمني ليس هو سبب الشيب ، فقال (ع) : بئس والله الرفد رفدت، وليس كما قلت ، ولكنا أهل بيت يسرع إلينا الشيب . وعمر الحسن حينها ثلاثة وثلاثون عاما تقريبا ، نعم ! ثم أقبل عبدالملك على الحسن يسأله عن حاجته ، فأخبره الحسن (ع) بما كان من الحجاج ، ومحاولته إدخال عمه عمر في صدقات علي (ع) ، وهذا مخالف لشرط علي (ع) ، فأمر عبدالملك بكتاب للحجاج يمنعه من التعرض للحسن بن الحسن ، ثم انصرف الحسن بن الحسن والتقى عند باب القصر بيحيى بن الحكم ، فعاتبه الحسن بن الحسن على ما كان منه ، ومن هذه المنفعة التي هي إلى الإيقاع أقرب ، فرد عليه يحيى بن الحكم ، قائلا : إيها عنك، والله لا يزال يهابك، ولولا هيبته إياك ما قضى لك حاجة، وما ألوتك رفدا ، أي: ما قصرت في معاونتك . وهنا نجد يحيى بن الحكم يشير إلى عقيدة الزيدية في الخروج بالإمامة من شامة بني الحسن ، الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، وهو لم يقل ما قاله في حق الحسن ، إلا وهو يعرف عقيدته الزيدية في الخروج ، ثم لو لاحظنا الحسن بن الحسن وهو يرد على يحيى بن الحكم جعله أماني أهل العراق هي السبب في ظهور الشيب عليه ، لو لاحظنا رد الحسن لوجدناه ينفي أن يكون سبب ظهور الشيب هو أماني أهل العراق عند توافدهم عليه ، ولكن سبب ظهوره هو وراثة في أهل بيته ، والشاهد هنا مع ما سبق ، هو أن الحسن المثنى لم ينف علاقته بأهل العراق ، ونحن عندما نذكر هذا ، لا نذكره إلا منبهين لبعض الحذاق من الجعفرية الذين يريدون تثقيل طرفهم بإثبات تمذهب سادات بني الحسن والحسين من غير أئمتهم ، بإثبات تمذهبهم بمذهب الجعفرية ، واعترافهم بالنصوص في حق بني عمومتهم ، وهذا فذهاب إلى سراب بقيعة ، والأدلة على هذا كثيرة ، نذكر منها ما يخص إمامنا المترجم له ، نعني الحسن بن الحسن بن علي صلوات الله عليه وعلى آبائه ، فنقول : روت الجعفرية ، ونخص الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 1/490 ، وابن شهر آشوب في المناقب 3/296 ، رووا تهكم وتطاول الحسن بن الحسن بابن عمه زين العابدين علي بن الحسين ، الذي هو إمامه وحجة الله عليه ، فقال ابن شهر آشوب : ((ونال (تأمل) منه [من زين العابدين] الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فلم يكلمه، ثم أتى منزله وصرخ به فخرج الحسن متوثبا للشر(تأمل)، فقال (ع): يا أخي إن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في يغفر الله لك، فقبل الحسن ما بين عينيه ، وقال: بلى قلت ما ليس فيك وأنا أحق به )) ، وهذا إن صح فدليل على عدم اعتبار الحسن بن الحسن زين العابدين إماما منصوصا عليه ، مفترضة من الله طاعته ، لأنه (ع) صاحب القدر والعلم وهذا فباعتراف شيخ الجعفرية الشيخ المفيد ، ومؤرخيهم لا قولون بغير هذا فيه ، فكيف تصدر منه مثل هذه الهفوة والتوثب للشر ، والافتراء على إمام الزمان علي بن الحسين ، فلو كان هذا التصرف من الحسن مع غير زين العابدين لقلنا لا بأس ، ولكن أن يصف إمام زمانه المعصوم صغيرا وكبيرا عن الخطأ أو حتى مجرد السهو والنسيان ، أن يصفه بما ليس فيه زورا وبهتانا ، ثم هو مع هذا يخرج عليه متوثبا للشر ، فهذا ما لا تقول به العقلاء ، فإن أنت وقفت على هذا ، عرفت أن الحسن بن الحسن لم يكن يعتبر زين العابدين إماما معصوما منصوصا عليه من الله والرسول ، فافهم هذا ، واستحضر ما سيأتي قريبا من ثبوت ادعاء الحسن بن الحسن الإمامة وخروجه على الظلم.
كتب ورسائل وبيعات ابن الأشعث تفد على الحسن بن الحسن (ع) :
في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، ولى الحجاج بن يوسف الثقفي ، عبدالرحمن بن محمد الأشعث الكندي على سجستان ، فسار عبدالرحمن هذا إلى سجستان بجيش عظيم قوامه ثلاثون ألفا ، من جملتهم العلماء والفقهاء والعوام ، فلما تمكن عبدالرحمن ابن الأشعث من سجستان ، أشار عليه الفقهاء بخلع الظلم والطغيان ، أشاروا عليه بخلع عبدالملك والحجاج ، فخلعهم وسار بجيوش تحفل إلى الشام ، وهناك تصدى له الحجاج بجيش عظيم ، وحصلت بينهم نيف وسبعون وقعة ، كانت الغلبة فيها كلها لابن الأشعث ما عدى وقعتين ، وهذا كله كان في ثلاث سنوات ، ما بين (81-83ه)، وفقهاء أهل الكوفة كان رأي أكثرهم الخروج على الظالم ، الأمر الذي جعلهم يلتفون حول ابن الأشعث بتزايد رهيب ، نعم ! اجتمع هؤلاء الفقهاء بابن الاشعث وأشاروا عليه ونصحوه بمراسلة أحد الفاطميين ، علي بن الحسين ، أو الحسن بن الحسن ، وأن هذا الأمر لا يلتئم إلا لهم وبهم ، وعندي أن هذا كان في السنة الثالثة من حروب ابن الأشعث والحجاج أي في سنة 83ه ، فأخذ ابن الأشعث برأيهم ، وأرسل كتابا إلى زين العابدين علي بن الحسين (ع) ، فامتنع عن إجابتهم فيما دعوه إليه ، ولعل زين العابدين (ع) كان يخشى من الغدر ، الذي نتج عنه مجزرة كربلاء ، وزين العابدين فكان كثيرا ما يذكر وينتحب على قتلى كربلاء ، وهذا فدليل على أن ذلك المنظر المأساوي الذي يتردد أمام عينيه ، هو الذي منعه من قبول بيعات أهل سجستان ، وليس هذا الامتناع منه (ع) تهاونا في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للظلمة ، ولكنه منه (ع) عدم توثق من أمر المبايعين له ، نعم ! فلما يئس ابن الأشعث ومن معه من استجابة علي بن الحسين لهم ، أرسلوا كتابا ثانيا إلى ابن عمه الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، فظهر من الحسن بن الحسن بادئ الأمر من التخوف والتشكك مثل ما ظهر لعلي بن الحسين (ع) ، فقال لهم الحسن (ع) ، مبينا لهم حرصه على القيام بحجة الله ، قال (ع) : ((مالي رغبة عن القيام بأمر الله، ولا زهد في إحياء دين الله ، ولكن لا وفاء لكم، تبايعونني ثم تخذلونني)) ، فأصر عليه القوم ، وتعهدوا عنده بالسمع والطاعة ، وحسن الائتمام ، فلم يجد الحسن (ع) بدا من القيام بفرض الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما لم يجد عمه الحسين السبط (ع) بدا من الخروج وكتب أهل الكوفة تتوافد عليه من كل حدب وصوب ، وهنا لو تأملنا خطاب الإمام السابق لهم ، لوجدناه يقيم عليهم الحجة بصدق النصرة ، ولوجدناه زيدي الخروج والدعوة والإمامة ، ونقصد بالزيدي أي أن مبدأه هو مبدأ الزيدية أتباع أهل البيت (ع) ، بني الحسن والحسين ، وإلا فإن عهد الحسن بن الحسن لم تكن فيه هذه التسمية موجودة البتة ، وما ظهرت إلا بعد زيد بن علي (ع) ، نعم ! فلما أجاب الحسن بن الحسن الرسل استبشر الفقهاء وأصحاب ابن الأشعث بهذا الأمر أيما بشر وسرور ، وأجمعوا على تلقيبه (ع) بالرضا ، لما ارتضوه إماما وقائدا لهم ، وفي ذلك يقول شاعرهم :
أبلغ أبا ذبان مخلوع الرسن ******** أن قد مضت بيعتنا لابن الحسن
ابن الرسول المصطفى والمؤتمن ***** من خير فتيان قريش ويمن
والحجة القائم في هذا الزمن
معركة دير الجماجم ، ومطاردة الإمام الحسن بن الحسن (ع) :
نعم ! ومن هنا بدأ إمامنا الحسن بن الحسن بعد توفر الناصر والمعين ، بدأ الاستعداد والتأهب للخروج إلى ابن الأشعث ومن معه ، وكان الفقهاء في ذلك الوقت يحثون ابن الأشعث لكي يظهر اسم الإمام الرضا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، يظهره على منابر المساجد ، فأظهره ابن الأشعث جمعة ، فلما كانت الجمعة الثانية أسقط اسمه ولم يذكره ، كل هذا والإمام الحسن في طريقه إليهم ، وفي تلك الأثناء وقعت الملحمة الكبرى بين جيش ابن الأشعث وجيش الحجاج ، في مكان يقال له (الجماجم) يبعد عدة فراسخ عن الكوفة ، وكان كثير جيش ابن الأشعث يقاتلون تحت راية الإمام الحسن المثنى (ع) وهو غائب لم يصلهم بعد ، إلا ما كان من ابن الأشعث ، نعني إسقاطه اسم الإمام الحسن من الخطبة ، وهناك استبسل أصحاب الإمام (ع) أيما استبسال ، ولكن النصر مع ذلك لم يكن حليفهم ، فانهزم ابن الأشعث ومن معه ولحقوا بفارس ثم سجستان ، وقتل عدد كبير من الفقهاء في هذه المعركة ، حتى سميت بمعركة الفقهاء ، وتسمى بمعركة دير الجماجم، نعم ! وهذه الوقعة حصلت والإمام الحسن (ع) في طريقه إليهم ، فلما علمت الخلافة الأموية بدور الحسن بن الحسن (ع) في هذه الثورة ، وهو (ع) لما علم باندلاع الحرب في الكوفة ، وهزيمة أصحابه ، ونشاط العيون الأموية في القبض عليه ، توارى الإمام الرضا عن الأنظار ، فالتحق بالحجاز ، ولم يتمكن منه عبدالملك بن مروان حتى توفي سنة 86ه ، وجاء بعده ابنه الوليد بن عبدالملك الذي اجتهد اجتهادا كبيرا في مطاردة الحسن بن الحسن (ع) بغية القبض عليه .
الإمام الحسن بن الحسن ، الإمام العابد (ع) :
قال الإمام نجم آل الرسول وفخرهم القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (169-246ه) : بلغنا أن موسى النبي، وإدريس عليهما السلام، دعوا بهذه الأربعين اسما، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بها، وأن الحسن بن الحسن طلبه الحجاج بن يوسف فدعا بهذه الأسماء فصرف عنه :
((سبحانك يا الله ، يا رب كل شيء ووارثه، يا الله الإله الرفيع جلاله، يا الله المحمود في كل شيء فعاله، يا الله يا رحمن كل شيء وراحمه، يا الله يا حي حين لاحي في ديمومية ملكه وبقائه، يا الله يا قيوم لايعزب عنه شيء علمه ويؤوده، يا الله يا واحد يا أول كل شيء وآخره، يا الله يا دايم بغير زوال ولافناء لملكه، يا الله يا صمد في غير شبه ولاشيء كمثله، يا الله ياوتر فلا شيء كفوه ولا مداني لوصفه، يا الله يا كبير أنت الذي لاتهتدي كل القلوب لعظمته، يا الله يا باريء كل شيء بلا مثال خلا من غيره، يا الله يا كافي الواسع لما خلق من عطايا فضله، يا الله يا نقي من كل جور لم يرضه ولم يخالطه فعاله، يا الله يا حنان أنت الذي وسعت كل شيء رحمته، يا الله يا منان ذا الإحسان قد عم كل شيء منته، يا الله يا ديان العباد وكل شيء يقوم خاضعا لرهبته، يا الله يا خالق من في السماوت ومن في الأرض وكل شيء إليه معاده، يا الله يا تام فلا تصف الألسن كل جلال ملكه وعزه، يا الله يا مبتدئ البدائع لم يبتغ في إنشائها عونا من خلقه، يا الله يا علام الغيوب لايؤوده شيء من حفظه، يا الله يا معيد ما أفنى إذا برزت الخلائق لدعوته من مخافته، يا الله يا حكيم ذا الأناة فلا شيء يعادله، يا الله يا جميل الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه، يا الله يا عزيز المنيع الغالب على أمره فلا شيء يعادله، يا الله المتعال القريب في علو ارتفاعه، يا الله يا جبار الملك على كل شيء بقهر عزيز سلطانه، يا الله يا نور كل شيء أنت الذي انفلقت الظلمات بنوره، يا الله يا قدوس الظاهر من كل شيء فلا شيء يعادله، يا الله ياقريب دون كل شيء قربه، يا الله يا علي الشامخ فوق كل شيء علوه وارتفاعه، يا الله يا جليل المتكبر على كل شيء والعدل والصدق أمره، يا الله يا حميد فلا تبلغ الأوهام كل شأنه ومجده، يا الله يا بديع البدائع ومعيدها بعد فنائها بعائدته، يا الله يا عظيم ذا الثنا الفاخر والعز والكبرياء فلا يذل عزه، يا الله ياكريم أنت الذي ملأ كل شيء عدله، يا الله يا عجيب كل آلائه وثنائه، يا الله يا خالق الخلق ومبتدعه ومغني الخلق ووارثه، يا الله يا رحيم كل صريخ وكل مكروب وغياثه ومعاده، يا الله يا قاهر البطش الشديد الذي لا يطاق انتقامه.
ثم يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك مسألة المسكين المستكين، وأبتغي إليك ابتغاء التائب الفقير، وأتضرع إليك تضرع الضرير ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، أسألك مسألة من خضعت لك رقبته، ورغمت لك أنفه، وعفر وجهه، وسقطت لك ناصيته، وانهملت لك دموعه، وفاضت إليك عبرته، وأغرقته خطاياه، وفضحته عبراته، وظلت عنه حيلته، وذهبت عنه قوته، وانقطعت عنه حجته، وأسلمته ذنوبه، أسألك الهدى وأفضل الشكر في النعماء، وأحسن الذكر في الغفلة، وأشد التذرع في الرغبة، وأبكى العيون في الخشية)) . اه [من كتاب الذكر للحافظ محمد بن منصور المرادي رحمه الله تعالى] .
ثناء الأئمة والعلماء على الإمام الرضا الحسن بن الحسن (ع) :
* قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : ((هو الذي أجمع عليه آل الحسن وآل الحسين في ولاية صدقات علي (ع) ، ولم يجتمعوا على غيره ، وله فضل كبير ، وعلم شهير)) [من كتابه الشافي] .
* قال العلامة عبدالله بن الإمام الهادي يحيى بن الحسن القاسمي : ((كان مشهورا بالفضل)) [ من كتابه الجداول ] .
* قال العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي : ((كان (ع) مشهورا فضله ، ظاهرا نبله ، يحكي في أفعاله مناسبه العالية)) [من كتابه الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية] .
* قال العلامة محمد بن علي الزحيف : ((كان مشهورا فضله، ظاهرا نبله، وكان له مواقف عظيمة بين يدي عمه الحسين بن علي -عليه السلام- في كربلاء، وكان فارسا، له يومئذ عشرون سنة، وقتل يومئذ من جنود الضلال عدة)) [من كتابه مآثر الأبرار ج1] .
* قال العلامة الحسين بن ناصر الشرفي : ((الإمام الكبير الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام ، كان رجلا جليلا ، مهيبا ، عابدا ، فاضلا ، رئيسا ، ورعا زاهدا)) [من كتابه مطمح الآمال ]
زواج الإمام الحسن بن الحسن ، وذكر أولاده (ع) :
سبق وأن أشرنا إشارة سريعة إلى أن إمامنا الحسن بن الحسن (ع) ، تزوج بابنة عمه فاطمة بنت الحسين (ع) ، وحاصل هذا الزواج ، أن الإمام الحسن قصد عمه الحسين وطلب منه أن يزوجه إحدى ابنتيه ، يعني سكينة وفاطمة ، فقال له عمه الحسين : اختر أحبهما إليك . فاستحيا الحسن (ع) من عمه ، ولا يحر جوابا ، فقال الحسين (ع) : قد اخترت لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله (ص) ، فزوجه إياها . وقد كان يقال بما معناه ، أن امرأة تختار على سكينة ، لمنطقعة الجمال ، لأن سكينة كانت جميلة .
نعم ! تزوج الإمام الحسن بفاطمة بنت الحسين ، وأنجبت منه عبدالله ، وإبراهيم ، والحسن (المثلث) ، وزينب ، وأم كلثوم ، ويحكى أن جده لأمه ، منظور بن زيان الفزاري ، جاءه وقال له : لعلك أحدثت أهلا ؟ قال : نعم ، تزوجت بنت عمي الحسين بن علي . فقال : بئس ما صنعت ، أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت؟! ، كان ينبغي لك أن تتزوج في العرب . قال : فإن الله قد رزقني منها ولدا ، قال : فأرنيه . قال : فأخرج إليه عبدالله بن الحسن ، فسر به وفرح ، وقال : أنجبت والله ، هذا الليث عاد ومعدو عليه . قال : فإن الله رزقني منها ولدا آخر ، قال : فأرنيه . فأخرج الحسن بن الحسن بن الحسن ، فسر به ، وقال : أنجبت والله ، وهو دون الأول . قال : فإن الله قد رزقني منها ثالثا . قال : فأرنيه . فأراه إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، فقال : لا تعد إليها بعد هذا .
وللإمام الحسن بن الحسن (ع) ، جعفر ، وداود ، وفاطمة ، ومليكة ، وأم القاسم ، أمهم أم ولد .
وفاة الإمام الحسن بن الحسن (ع) :
تشير المصادر إلى أن وفاة الحسن بن الحسن (ع) ، في العام السادس والتسعين ، وقيل السابع ، وقيل الثامن ، والسلطة الأموية هي المتهمة بسمه (ع) ، والراجح أن يكون (ع) قد مات مسموما على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك ، وذلك في عام 96ه، وعمره خمس وخمسون عاما ، ودفن الإمام الحسن في البقيع بالمدنية المنورة ، ولا تحديد بالدقة لمكان قبره (ع) ، وقد يشار إليه بالقرب من قبر أبيه الحسن بن علي (ع)، ولا صحة لكونه (ع) توفي وعمره خمس أو ست أو ثمان وثلاون عاما ، فتكون سنة وفاته (ع) في السنة التاسعة والسبعين للهجرة على أكثر تقدير ، وهذا يجعله غير معاصر للوليد بن عبدالملك وهو المتهم بسمه بإجماع المصادر الذي تكلمت عن هذا ، إذ أن ولاية الوليد كانت في الفترة ما بين (86-96ه) ، ثم إنه يعترض على هذا القول ، بإثبات المصادر أن وقعة دير الجماجم لم تحدث إلا عام 82 أو 83 ه ، فيكون الحسن بن الحسن قد توفي حينها ، وهذا وهم ، والصحيح بإذن الله هو ما أثبتناه .
نعم ! حزنت فاطمة بنت الحسين على زوجها الحسن المثنى (ع) ، أيما حزن ، فقد أثر أنها ضربت فسطاطا على قبره (ع) ، أي بيتا من الشعر ، وما برحته تبكيه وتترحم عليه ، فرضوان الله عليه وعليها وعلى آبائهما ، وخيار أبنائهما ، وسلام وصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .
الأحد
12/7/1427ه إبراهيم شريف
पृष्ठ 41