[134] ومما يظهر ظهورا بينا أن الألون لها حقيقة وهي صورة في الجسم المتلون وليست شيئا يعرض بين البصر والضوء ما يظهر في وجه الإنسان من حمرة الخجل وصفرة الوجل. فإن الإنسان قد يكون ساكن اللون وليس في وجهه حمرة مفرطة، فإذا عرض له الخجل ظهرت في وجهه حمرة لم تكن قبل ذلك، حتى يستدل من حمرة وجهه على خجله. فالناظر الذي يراه في الحالتين قد أدرك في وجهه في الحالة الثانية حمرة لم تكن في وجهه في الحالة الأولى، والضوء الذي على ذلك الوجه قبل الخجل وبعده ضوء واحد، ووضع البصر في الحالتين من ذلك الوجه وضع واحد، وبعده منه بعد واحد، ووضع الوجه أيضا من الجهة التي منها يرد الضوء إلى الوجه ومن المضيء الذي منه يرد الضوء والمواضع المضيئة التي منها يرد الضوء إلى ذلك الوجه وضع واحد لم يتغير، وليس للحمرة التي تظهر في الوجه عند الخجل علة غير الخجل، وليس الخجل أمرا من خارج ولا يتعلق بالضوء ولابالبصر الناظر إلى ذلك الوجه، فالحمرة التي تظهر في وجه الإنسان هي صورة في جسمه لا شيء يعرض بين البصر الناظر إليه وبين الضوء.
[135] وكذلك الرجل قد يكون ساكن اللون قبل الوجل، فإذا بلغه أمر يفزعه ووجل منه وجلا شديدا ظهرت في لونه صفرة بينة لم تكن قبل الوجل.
[136] فاحمرار الخجل واصفرار الوجل مع تساوي أحوال البصر والمبصر قبل الخجل وبعده وقبل الوجل وبعده في الوضع والبعد والضوء دليل ظاهر على أن اللون صورة في الجسم المتلون وليس هو شيئا يعرض بين البصر والضوء. فليس اللون على ما اعتقد من رأى أن اللون لا حقيقة له، وليس هو إلا صورة في الجسم المتلون. وقد يحتمل أن تختلف الأراء ويقع الالتباس في مائية صورة اللون التي في الجسم المتلون، فأما أنيتها وأنها صورة في الجسم لا صورة تعرض من خارج فليس يقع فيه لبس.
[137] وكذلك قد يحتمل أن يكون البصر ليس يدرك حقيقة اللون على ماهي عليه من أجل أنه ليس يدرك اللون إلا مع الضوء ومن أجل اختلاف إدراكه للون بحسب اختلاف الأضواء التي تشرق على الجسم المتلون، فأما أن اللون له في نفسه حقيقة فليس يبطل من أجل اختلاف إدراك البصر له.
पृष्ठ 118