[122] فأقول إن هذه الصور التي تظهر على الأجسام المقابلة للجسم المتلون المضيء ليس يدركها البصر بالانعكاس وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة، وأن هذه الصور هي في المواضع التي يدركها البصر فيها: وذلك أن هذه الصور إذا ظهرت للبصر على الجسم المقابل للجسم المتلون، وكان سطح الجسم الذي تظهر عليه الصورة سطحا مستويا، ثم انتقل البصر عن موضعه إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح، فإنه يدرك الصورة من جميع الجهات في ذلك السطح وعلى هيئتها. وإذا كان الجسم المتلون ساكنا، والجسم المقابل له الذي تظهر عليه الصورة ساكنا، وكان السطح الذي تظهر عليه الصورة مستويا، فإن انعكاس صورة الجسم المتلون عن ذلك السطح المستوي إنما يكون إلى جهة واحدة مخصوصة فقط، لا إلى جميع الجهات المقابلة لذلك السطح كان الانعكاس بصورة تمتد من الجسم المتلون إلى ذلك السطح وتنعكس عنه أو كان شعاع يخرج من البصر إلى ذلك السطح وينعكس عنه إلى الجسم المتلون، لأن الانعكاس ليس يكون إلا على زوايا متساوية وإلى جهة مخصوصة. وسنبين ذلك عند كلامنا ي الانعكاس.
[123] فإذا كان البصر يدرك هذه الصور من جميع الجهات المقابلة للسطح الذي فيه اللون مع سكون هذا السطح وسكون الجسسم المتلون فليس إدراك البصر لصورة اللون في السطح الذي تظهر فيه صورة اللون بالانعكاس، وإنما يدركها البصر كما يدرك الألوان في سطوح الأجسام المتلونة.
[124] وأيضا فإنه إن أخذ المعتبر إناء من الزجاج الرقيق المشف الأبيض النقي، وجعل فيه شرابا لعمر صافي اللون، وقابل به ضوء الشمس في البيت الذي وصفناه، فإن اعتبار هذه الألوان في المواضع القليلة الضوء يكون أبين. وإن كان الثقب الذي يدخل منه الضوء إلى البيت ضيقا في اعتبار الأجسام المشفة أو ضيق كان أجود، بعد أن لا يكون في غاية الضيق، ثم يجعل في ظل الإناء ثوبا أبيض، فإنه يجد لون الشراب على ذلك الثوب مع الضوء النافذ في شفيف الزجاج وشفيف ذلك الشراب ومازجا له، ويجد اللون الذي يظهر على الثوب أرق من لون الشراب وأصفى منه. وإذا بعد الثوب عن الإناء ازداد اللون الذي يظهر عليه رقة وضعفا.
[125] وكذلك إن جعل في الإناء بدل الشراب ماء متلون بلون أزرق أو أخضر أو غيرذلك من الألوان المشرقة الصافية التي لا تبطل شفيف الماء بالكلية ويمكن أن ينفذ فيها الضوء، ثم اعتبر على الصفة التي قدمناها، وجد لون ذلك الماء ممتدا مع الضوء النافذ في شفيفه وممازجا له.
[126] وكذلك إن قرب هذا الإناء الذي فيه الشراب أو الماء الملون إلى ضوء النار في الليل، وقرب إليه من ورائه ثوب أبيض، فإن لون الشراب يظهر على الثوب مع ضوء النار النافذ فيه. وينبغي أن يتحرى المعتبر عند اعتبار ذلك أن لا يشرق على الثوب ضوء قوي من جهة أخرى، بل يكون في ظل رقيق الضوء.
पृष्ठ 115