منها أجادب١ أمسكت الماء، فنفع الله [بها] ٢ الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها إنما هي قيعان٣ لا تُمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"٤.
_________
١ أجادب: جمع جَدَب وهي الأرض الصلبة التي تمسك الماء فلا ينضب منها، وقيل: هي الأرض التي لا نبات فيها، مأخوذ من الجَدْب وهو القحط. (ر: صحيح مسلم بشرح النووي ١٥/٤٦، فتح الباري ١/١٧٦، والنهاية في غريب الحديث ١/٢٤٢ لابن الأثير) .
٢ في "ص" (به)، والتصويب من رواية الصحيحين.
٣ قيعان: جمع قاع وهو الأرض المستوعبة الماء التي لا تنبت، ويجمع أيضًا على أقوع وأقواع. (ر: صحيح مسلم بشرح النووي ١٥/٤٦، فتح الباري ١/١٧٧) .
٤ أخرجه البخاري (ر: فتح الباري ١/١٧٥) ومسلم ٤/١٧٨٧ في كتاب الفضائل. والحديث يبين لنا أقسام الناس تجاه نصوص الوحي، حيث شبه النبي ﷺ لما جاء به من الدين بالغيث العام، وشبَّه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث:
فالمثل الأول تندرج تحته طائفتان هما:
الأولى: العالم العَامِل المُعَلِّم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها.
الثانية: الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أدَّاه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به.
والمثل الثاني يندرج تحته أيضا طائفتان هما:
الأولى: من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلّمه، ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله ﷺ "من لم يرفع بذلك رأسًا" أعرض عنه فلم ينتفع به ولا نفع.
والثانية: من لم يدخل في الدين أصلًا، بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض الصَّماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله ﷺ "ولم يقبل هدى الله الذي جئت به". (ر: فتح الباري: ١/١٧٧ بتصرف يسير، وقارن ما ذكره ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية في اجتماع الجيوش الإسلامية ص١٦ وما بعدها) .
1 / 73