ثم ذكر البيهقي بابا فيما يستدل به على سخاوة الشافعي. ومما أورده فيه قول أبي ثور: كان الشافعي من أجود الناس وأسخاهم كفا: كان يشتري الجارية الصَّنَاع التي تطبخ وتعمل الحلوى، ويشترط عليها أن لا يقربها؛ لأنه كان عليلا لم يمكنه أن يقرب النساء في وقته ذلك، لباصور كان به. وكان يقول لنا: تشهوا، ما أحْبَبْتُم؛ فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون. فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي اليوم كذا وكذا، فكنا نحن الذين نأمرها، وهو مسرور بذلك. وأورد البيهقي قول الربيع: قد سمعنا بالأسخياء، قد كان عندنا قوم من الأسخياء بمصر وأهل الفضل رأيناهم، ما رأينا مثل الشافعي. وكان الشافعي يقول: أهل اليمن فيهم السخاء، وقال الحميدي: فأين سخاء أهل اليمن من سخاء الشافعي؟ أولئك سخاؤهم من فَضْل معهم، والشافعي يسخو بكل ماله. وقول البويطي: قدم علينا الشافعي مصر، وكانت «زبيدة» ترسل إليه برزم الوشى والثياب؛ فيقسمها الشافعي بين الناس.
ثم ذكر بابا في شهادة الأئمة للشافعي بالتقدم في العلم وثنائهم عليه، ودعائهم له. ومن الأقوال التي رواها في ذلك قول أحمد بن حنبل:
ما أعلم أحدًا أعظم منَّةً على الإسلام، في زمن الشافعي، من الشافعي.
وما أحد مسّ بيده محبرة وقلما إلا وللشافعي في عنقه منّة. وما رأيت أحدًا أفقه في كتاب الله من الشافعي. وكان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي وقيل لأحمد: إن «يحيى بن معين» و«أبا عبيد» لا يرضيان الشافعي وينسبانه إلى التشيع! فقال: والله ما رأينا معه إلا خيرا، ولا سمعنا إلا خيرًا. واعلموا أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئا من العلم وحُرِمَه قرناؤه وأشكاله
المقدمة / 25