الفصل العاشر
وصول القتلة
بعد ذلك بوقت قصير هطلت الأمطار وأرغمتنا أن نحتمي أياما متوالية في منزلنا بالكهف. وتحولت مسارب الغابة إلى سيول، وأصبحت الغابة مستنقعا. كنت أتوق إلى عواء قرود الجيبون، بدلا من هدير المطر المنهمر على الأشجار خارج الكهف. لم يكن المطر يهطل في نوبات متقطعة كما كان عليه الحال في الوطن، بل باستمرار ودون توقف. وانتابني القلق على المنار الذي غدا مشبعا بالماء ويزداد بلله مع كل يوم يمر. كيف يتسنى له أن يجف في يوم من الأيام؟ ولكن كنسوكي كان يبدي الصبر والجلد إزاء ذلك كله. كان يقول لي: «سوف ينقطع المطر حين ينقطع. لا تستطيع أن توقف هطوله بأن تريد له ذلك. أضف إلى ذلك أن المطر مفيد نافع. فهو يساعد الثمار على النمو، ويحافظ على تدفق الجدول، وعلى حياة القرود، وحياتك أيضا وحياتي أنا.»
كنت أندفع بأقصى سرعة كل صباح إلى قمة التل ومعي المنظار المقرب، وإن كنت لا أدري سببا لذلك ولا أرى له جدوى، فأحيانا كان المطر ينهمر بغزارة إلى الحد الذي لم أكن أستطيع معه أن أرى البحر على الإطلاق.
كنا أحيانا ننطلق مسرعين إلى الغابة لنجمع كمية من الفاكهة اللازمة لطعامنا. كانت الغابة تزخر بأنواع النبق، وكان كنسوكي يصر على قطفها، فلم يكن يكترث بالبلل الشديد مثلما كنت أكترث. كنا نأكل بعضها، ولكن كنسوكي كان يستخدم معظمها في إعداد الخل ، ويحفظ الباقي في زجاجات خاصة مع عسل النحل والماء. وكان يقول، إنها محفوظة «لوقت الحاجة الماسة، صحيح؟» ويضحك (كان يحب «تجربة» التعابير الجديدة التي تعلمها). كنا نأكل الكثير من السمك المدخن، وكان فيما يبدو لديه مخزون كاف دائما بصفة احتياطية. كان يجعلني أشعر بالعطش الشديد، لكنني لم أكن أضيق به قط.
وأنا أتذكر الموسم المطير بسبب انكبابنا على الرسم فيه أكثر من أي سبب آخر. كنا نقوم بالرسم معا ساعات متوالية، حتى ينفد حبر الأخطبوط. وكان كنسوكي يميل هذه الأيام إلى الرسم من الذاكرة أكثر من الرسم من الطبيعة، فكان يرسم منزله في نجاساكي، وعدة لوحات لزوجته كيمي وابنه ميشيا واقفين معا، دائما تحت شجرة الكرز. ولاحظت أنه يترك الوجه دائما دون تحديد أي ملامح. وقد شرح لي ذلك ذات يوم (وكانت طلاقة حديثه بالإنجليزية تزيد باطراد).
قال لي: «أنا أتذكر من هما، وأذكر أين هما. وأستطيع أن أسمعهما في رأسي، لكنني لا أستطيع أن أراهما.»
وقضيت أياما متوالية في إحكام محاولتي رسم صورة سعلاة. كانت توموداكي. كانت كثيرا ما تقبع عند باب الكهف ووجهها يفيض بالحب وجسمها يتساقط منه ماء المطر، كأنما كانت تدعوني لرسمها. وهكذا اغتنمت الفرصة كاملة.
كان كنسوكي سعيدا باللوحة التي رسمتها إلى حد النشوة، وأغدق علي عبارات الإطراء. وقال: «يوما ما يا ميكاسان سوف تصبح فنانا عظيما، مثل هوكوساي، ربما.» وكانت تلك أول لوحة على صدفة أرسمها فيحتفظ بها كنسوكي في صندوقه. وأحسست بالزهو الشديد. وبعد ذلك كان يصر على الاحتفاظ بالكثير من أصدافي المرسومة، وكثيرا ما كان يخرجها من الصندوق ويدرسها بعناية، مبينا لي أوجه النقص، ولكن دائما بسماحة. وفي ظل رعايته، وبوحي تشجيعه، كانت كل صورة أرسمها تبدو أكثر إحكاما، وأقرب إلى ما كنت أريد لها أن تكون.
وذات صباح عادت قردة الجيبون تعوي، وتوقف المطر، وخرجنا لصيد السمك في المياه الضحلة، ثم خرجنا إلى البحر العميق أيضا، وسرعان ما أعدنا ملء مخزوناتنا من السمك المدخن وحبر الأخطبوط، وعدنا إلى لعب كرة القدم من جديد، وكان المنار فوق قمة التل يجف ماؤه يوما بعد يوم.
अज्ञात पृष्ठ