قال: نعم الرأي! ولكن أخاف أن يطلع على دسيستي أحد، فيوشي بي إلى الملك، وتكون الأخرى أشر من الأولى، ونكون عجلنا الوقوع في المصيبة، وإن انتظرت إلى حين وضعها، وآخذ الجنين، وأعمل على خلاصه أخاف أن يسلمه لغيري، فلا أقدر أن أنتشله من مخالب الموت.
قالت: اخرج لها في هذه الليلة بدون أن يشعر بك أحد وأنذرها؛ لئلا تكون قريبة الوضع، فلا تقدر على خلاصها.
فأزعن الوزير لكلام زوجته، وخرج إلى جهة القصر بملابس خفية، وصار يتربص الفرص، ولما دنى من جانب الحديقة سمع هناك حركة أوقفته عن التقدم إلى الأمام، فوقف ينتظر ماذا يكون - وكان الظلام حالكا - ولما سمع صوت وشيش الشجر تقدم قليلا، وقد سمع صوتا رخيما يقول: تقدم مني أيها الأمين؛ لأني أشرفت على السقوط.
ولما سمع الوزير ذلك سار إلى الأمام، فوجد الخادم صعد إلى أعلى الشجرة أخف من النسيم، وأسرع من البرق، وأدرك «مندان»، وأخذ بيدها، وأنزلها إلى أسفل الشجرة بغاية التأني، وكان الوزير قد صعد على درجتي السلم، وقال بصوت منخفض: انزلي يا مولاتي ولا تخافي من شيء.
ولما سمعت «مندان» ذلك ارتعبت ووقفت في مكانها، ولما رأى منها ذلك تقدم إليها، وسكن روعها ، وقال: يا سيدتي فإني ما أتيت إلى هنا إلا بقصد خلاصك من الشر المحاط بك.
قالت: من أنت؟
قال: أنا «أرباغوس»، وليس هذا وقت الكلام، انج بنفسك أيتها الملكة. ومن ثم أخذ بيدها مع الخادم، وأنزلها بغاية الاحتراس، ولما صاروا خارج السور، وجدوا هناك «أرباسيس» في انتظارهما، وحينما رأى معهما رجلا ثالثا تعجب، واحتار في أمره، وكان قد أحضر مطيتين من الخيل الجياد، والثالث له، وأركب «مندان»، ثم ركب، وأمر الخادم بالركوب، فقال الخادم: لا يمكنني الركوب مع وجود دولة الوزير.
ولما سمع ذلك «أرباسيس» أخذته الدهشة، وكان يعلم أنه هو السبب بإساءة «مندان»، وقد نظر الوزير إلى تعجبه واندهاشه، وكيف توقف عن المسير، فتقدم إليه، وقال: أحسن ظنك بي أيها الأستاذ، ولا تعجل بشيء حتى تتصور سر المراد من هذا العمل، ولا تخشى مني أبدا، وعندما نصل إلى محل الأمن أنا أخبرك بسبب وجودي معكم.
ولما سمع الكاهن منه ذلك اطمأن نوعا، وقدم له المطية فركب وساروا، والخادم يعدو أمامهم إلى أن وصلوا إلى أول باب، وكانت المدينة بسبعة أسوار - كما قدمنا - والحراس تحيط بهم من كل صوب، ولما قربوا إلى الباب اعترضهم الحراس، وأرادوا منعهم، وحينئذ تقدم الوزير وقال: افتحوا لنا الأبواب؛ لأني أريد أن أتفقد الأبواب، وأنظر في حالة الجند وماذا يصنعون.
ولما علم الحراس أنه الوزير فتحوا الباب بدون مراجعة، فعبروا أول باب، وساروا قاصدين الثاني، وكان بين الأسوار منازل الشعب - كما أسلفنا - وهكذا حتى خرجوا من الباب الثالث، وهناك أشرق الفجر. ولما ظهر نور الصباح قال الوزير: يلزم رجوعي، ولكن لا آمن على الملكة من أن يصيبها سوء حتى تخرج إلى خارج المدينة.
अज्ञात पृष्ठ