التعبير، فعسر إلا على الماهر حفظًا، وظن الغافل عن التدبر والمخلد إلى الراحة عن التفكر، أن تخصيص كل آية من تلك الآيات بالوارد فيها مما خالفت فيه نظيرتها ليس لسبب تقتضيه وداع من المعنى يطلبه ويستدعيه، وأن ليس على جميع الوارد من ذلك محرزات من المعاني عند ذوي الأفهام ومقتضيات من لوازم جليل التركيب من ذلك المعجز العلي من النظام، فلا يليق بكل من تلك الواضع إلا الوارد فيه وإن تقرير وقوع آية منها في موضع نظيرتها ينافي مقصود ذلك الموضع وينافيه.
فتعسًا لمن تنكب عن واضح آياته، وكأن لم يقرع سمعه قوله تعالى: "كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته ".
وإن مما حرك إلى هذا الغرض وألحقه عند من تحلى ولوعًا باعتباره والتدبر لعجائبه الباهرة وأسراره، بمثل حالي على استحكام جذبي وإمحالي بالواجب المفترض، إنه باب لم يقرعه ممن تقدم وسلف ومن حذا حذوهم ممن أتى بعدهن وخلف، أحد فيما علمته على توالي الأعصار والمدد وترادف أيام الأبد، مع عظيم موقعه وجليل منزعه، ومكانته في الدين وفته أعضاد ذوي الشك والارتياب من الطاعنين والملحدين، إلى أن ورد علي كتاب لبعض المعتنين من جلة المشارقة [ابن الخطيب الإسكافي] نفعه الله سماه بكتاب درة التنزيل وغرة التأويل، قرع به مغلق هذا الباب وأتى في هذا المقصد بصفو من التوجيهات لباب، وعرف أنه باب لم يوجفه عنه أحد قبله بخيل ولا ركاب، ولا نطق ناطق قبل فيه، بحرف مما فيه.
وصدق ﵀ وأحسن فيما سلك وسن وحق لنا به - لإحسانه - أن نقتدى به ونستن، فحرك من فكري الساكن وأضربت عن فسحته بالاستدراك بلكن، وأبديت بحول ربي من مكنون خاطري إلى الظهور ما أثبته بعون الله وقوته في هذا المسطور، معتمدًا عين ما ذكره من الآيات ومستدركًا ما تذكرته مما أغفله ﵀ من أمثالها من المتشابهات، وإبداء المعاني الخفيات القاطعة بدرب البطالات، من غير أن أقف في أكثر ذلك على كلامه إلا بعد إبدائي ما يلهمه الله سبحانه وإتمامه، ولا ناقلًا إلا في الشاذ النادر كلام أحد من أرباب المعاني إذ لم يعترض أحد غير من تقدم ذكره لما من هذا الضرب أعاني، وإنما يلقيه فكري إلى ذكري فيلقيه ترجمان فهمي على قلمي، وإن آثرت بعض ما عليه لغيري عثرت فنقلت أفصحت بالنسبة وعقلت، وما أرى ذلك يبلغ فى هذا المجموع غاية أقل الجموع، وإن نيف فيسير والتحقق في ذلك بلازم الذهول الإنساني عسير، وما سوى ذلك فأنا ابن نجدته وذو عهدته، "وما بكم من نعمة فمن الله ".
وقد
1 / 8