بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل
في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل
المؤلف: الإمام الحافظ العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي الغرناطي ٦٢٧ - ٧٠٨ هـ
دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت
अज्ञात पृष्ठ
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
مقدمة المؤلف
قال الشيخ الفقيه الأستاذ الخطيب المقرئ الراوية الشهير: أبو جعفر بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي، رضى الله عنه.
الحمد لله المانح من شاء ما شاء، الغافر دون الشرك بحكم المشيئة لمن أساء، والمصطفى من الجنس الإنساني الرسل والأنبياء، ومن أتباعهم من جعلهم رحماء بينهم وعلى الكفار أشداء، ومن خلفهم ممن آثر الاهتداء والاقتداء، وجانب التنكيل عن سبلهم الواضحة والاعتداء، ولزم الجماعة عند افتراق ذوي الشقاق فحسم الداء، وتمسك بالكتاب والسنة فمنح الشفاء، واستوضح الطريق بهما إلى الله تعالى وتحقق الإنباء، وتدبر كتاب الله فشاهد المعجزة القاطعة والبراهين الساطعة وعرف الأنباء، وعلم مراده ﷺ بقوله: "وإنما كان الذي أوتيت وحيًاَ " فأعمل جهده في تدبره بالفكر والاعتناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من وفق فالتزم بشروطها الوفاء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المعطى في القيامة المقام المحمود واللواء، شهادة نرجو بها من شفاعته العظمى الحظوة والاعتناء، وتجعل لنا من دار الخلد المصير والجزاء، صلى الله عليه وعلى آله الحائزين في وفائهم باتباعه السبق والثناء، والأسوة والقدوة لمن بعدهم جاء، وسلم كثيرا.
وبعد، فإن كتاب الله تعالى أحق ما أنفقت فيه نفائس الأعمار، وقصر على اعتباره وتدبره الملوان الليل والنهار، واعتمده موئلًا وملاذًا، واعتصم بعروته الوثقى وزرًا منجيًا وعياذًا، واستنزلت به البركات، واهتدى بواضحات أنواره عوالم الأرض والسماوات.
فهو الهدى والنور، والشفاء لما فى الصدور، والواقى لمن تمسك به واعتلق بسببه من كل مخوف وحذور، والنعمة التي قصر عن الوفاء بشكرها كل مكتوب ومسطور، وأنٍِى يتصور الكفاء ويتوهم الوفاء بشكر: "قد جاءكم من الله نور ".
وإن من مغفلات مصنفي أئمتنا رضى الله عنهم في خدمة علومه، وتدبر منظومه الجليل ومفهومه، توجيه ما تكرر من آياته لفظًا أو اختلف بتقديم أو تأخير وبعض زيادة في
1 / 7
التعبير، فعسر إلا على الماهر حفظًا، وظن الغافل عن التدبر والمخلد إلى الراحة عن التفكر، أن تخصيص كل آية من تلك الآيات بالوارد فيها مما خالفت فيه نظيرتها ليس لسبب تقتضيه وداع من المعنى يطلبه ويستدعيه، وأن ليس على جميع الوارد من ذلك محرزات من المعاني عند ذوي الأفهام ومقتضيات من لوازم جليل التركيب من ذلك المعجز العلي من النظام، فلا يليق بكل من تلك الواضع إلا الوارد فيه وإن تقرير وقوع آية منها في موضع نظيرتها ينافي مقصود ذلك الموضع وينافيه.
فتعسًا لمن تنكب عن واضح آياته، وكأن لم يقرع سمعه قوله تعالى: "كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته ".
وإن مما حرك إلى هذا الغرض وألحقه عند من تحلى ولوعًا باعتباره والتدبر لعجائبه الباهرة وأسراره، بمثل حالي على استحكام جذبي وإمحالي بالواجب المفترض، إنه باب لم يقرعه ممن تقدم وسلف ومن حذا حذوهم ممن أتى بعدهن وخلف، أحد فيما علمته على توالي الأعصار والمدد وترادف أيام الأبد، مع عظيم موقعه وجليل منزعه، ومكانته في الدين وفته أعضاد ذوي الشك والارتياب من الطاعنين والملحدين، إلى أن ورد علي كتاب لبعض المعتنين من جلة المشارقة [ابن الخطيب الإسكافي] نفعه الله سماه بكتاب درة التنزيل وغرة التأويل، قرع به مغلق هذا الباب وأتى في هذا المقصد بصفو من التوجيهات لباب، وعرف أنه باب لم يوجفه عنه أحد قبله بخيل ولا ركاب، ولا نطق ناطق قبل فيه، بحرف مما فيه.
وصدق ﵀ وأحسن فيما سلك وسن وحق لنا به - لإحسانه - أن نقتدى به ونستن، فحرك من فكري الساكن وأضربت عن فسحته بالاستدراك بلكن، وأبديت بحول ربي من مكنون خاطري إلى الظهور ما أثبته بعون الله وقوته في هذا المسطور، معتمدًا عين ما ذكره من الآيات ومستدركًا ما تذكرته مما أغفله ﵀ من أمثالها من المتشابهات، وإبداء المعاني الخفيات القاطعة بدرب البطالات، من غير أن أقف في أكثر ذلك على كلامه إلا بعد إبدائي ما يلهمه الله سبحانه وإتمامه، ولا ناقلًا إلا في الشاذ النادر كلام أحد من أرباب المعاني إذ لم يعترض أحد غير من تقدم ذكره لما من هذا الضرب أعاني، وإنما يلقيه فكري إلى ذكري فيلقيه ترجمان فهمي على قلمي، وإن آثرت بعض ما عليه لغيري عثرت فنقلت أفصحت بالنسبة وعقلت، وما أرى ذلك يبلغ فى هذا المجموع غاية أقل الجموع، وإن نيف فيسير والتحقق في ذلك بلازم الذهول الإنساني عسير، وما سوى ذلك فأنا ابن نجدته وذو عهدته، "وما بكم من نعمة فمن الله ".
وقد
1 / 8
استجرت تلك الآيات جملة وافرة من المقفلات من أمثال تلك المشكلات، مما يجاري ويشبه ويلتبس على من قصر في النظر ويشتبه، مما لم يقع في كتاب "درة التنزيل "ولا تعرض له بذكر بنص التنزيل ولا تأويل، فنبهنا إلى ذلك لينحاز من المجتمع على ذكره ويفصل، فعلامة: غ تدل على أنه من المغفل.
ومحرزًا بفضل الله من عيون آلات العلماء ما به قوام المفهوم، عائذًا بالله سبحانه من سوء الوعي والقول في هذا المقصد العلي بالرأي، فقد ملأ المسامع وعمر الأفكار قوله ﷺ "من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ".
ولما تيسر بفضل الله تعالى المقصود من هذا الغرض، بهر حسنًا وكمالا ولاح في أفق التفاسير لنجومها هلالًا، سميته بكتاب: "ملاك التأويل القاطع بذوي الالحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل ".
وانا أضرع إلى من وسعت رحمته كل شئ وشملت نعمته كل حي، أن ينقع فيه بباعث النية وأن يبلغني من عفوه ومغفرته الأمنيه، وأن يؤيد بالنصر ةالتمكين وموالاة الفتح المبين مولانا أمير المسلمين.
وها أنا أبتدئ بحول الله وقوته، "والله خلقكم وما تعملون ".
1 / 9
سورة أم القرآن
غ - وهى بجملتها من مغفلات صاحب كتاب الدرة وكذا ما بعد إلى الآية السادسة من سورة البقرة وهى قوله تعالى: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ".
وقد تقدم أني أعلم على المغفل بعلامة غ.
وأرجع إلى أم القرآن فأقول: هى أم القرآن ومطلع الكتاب العزيز وأول سورة في الترتيب الثابت ومشروعية حمده سبحانه فى ابتداء الأمور وختامها متقرر معلوم وقد تكرر فى الكتاب العزيز افتتاحا واختتاما، وأمر الله به نبيه ﷺ في قوله تعالى "وقل الحمد لله " والمتردد من صفة حمدة حمده سبحانه في معظم الوارد منه في الكتاب العزيز ما افتتحت به أم القرآن من قوله تعالى "الحمد لله " وما ورد في سورة الجاثية من قوله: "فلله الحمد " [آية ٣٦] ثم وقع إتباع المفتتح من السور بحمده جل وتعالى بأوصاف مختلفات مما انفرد به سبحانه فالسائل أن يسأل في ذلك أربعة سؤالات:
السؤال الأول: ما الفرق بين الوارد في أم القرآن وما جرى مجراها مما افتتح بقوله "الحمد لله "وبين الواقع في سورة الجاثية من قوله "فلله الحمد "؟
السؤال الثاني: ما وجه افتتاح السور الخمس وهى: سورة أم القرآن والأنعام والكهف وسبأ وفاطر بقوله "الحمد لله " واختصاصها بذلك مع تساوي السور كلها في استقلالها بأنفسها وامتياز بعضها من بعض؟
السؤال الثالث: ما وجه تخصيص كل آية منها بما ورد من أوصافه تعالى المتبع بها حمده؟ ففى أم القرآن: "الحمد لله رب العالمين " وفي الأنعام: "الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور " وفي الكهف: "الذي أنزل على عبده الكتاب " وفي سبأ: "الذي له ما في السماوات وما في الأرض " وفي فاطر: "فاطر السماوات والأرض ".
فهل هذا التخصيص لمناسبة تقتضيه حتى لا يلائم سورة منها من ذلك في غيرها؟
1 / 11
السؤال الرابع: ما وجه كون الوارد من حمده في الخواتم والانتهاءات لم يطرد فيه ما أطرد في افتتاح هذه السور من اختلاف التوابع بل جرى على أسلوب واحد فقال سبحانه: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " وقال تعالى: "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " وقال تعالى: "وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين " وقال تعالى: "وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " فورد هذا مكتفي فيه بوصفه سبحانه بأنه رب العالمين
والجواب عن السؤال الأول: بعد تمهيده وهو أن نقول أن قوله تعالى: "الحمد لله " مبتدأ وخبر وكذلك قوله: "فلله الحمد " وتأخر في هذه الثانية المبتدأ، والحاصل في الموضعين معنى واحد وهو حمده سبحانه بما هو أصله.
ومعلوم أن التقديم والتأخير فيما بين المبتدأ والخبر إذا لم يقع عارض مما يعرض في التركيب، ككون المبتدأ مما يلزم صدر الكلام، أو كون الخبر كذلك، فيلزم تقديم ما له الصدرية إلى غير ذلك من العوارض وهى كثيرة، فما لم يعرض عارض يوجب لأحدهما التقديم أو التأخير فتقديم أيهما كان وتأخير الآخر عربي فصيح، إلا أن مرتبة المبتدأ التقديم ليبنى عليه الخبر، فتقديمه عند عدم العوارض اللفظية أولى كما فى القرآن.
وإذا وضح هذا فللسائل أن يقول: ما الموجب لتقديم الخبر على المبتدإ فى سورة الجاثية؟ وهل كان يسوغ عكس الواقع؟
والجواب: أن العوارض الموجبة لتقديم ما مرتبته التأخير وتأخير ما مرتبته التقديم ليست منحصرة فى جهة التركيب اللفظي، بل قد يعرض من جهة المعنى.
وتقدير الكلام ما يقتضى ذلك ويوجبه.
وإذا تقرر هذا فنقول: إن قوله تعالى: "فلله الحمد " ورد على تقدير الجواب بعد إرغام المكذب وقهره ووقوع الأمر مطابقًا لأخبار الرسل ﵇، وظهور ما كذب الجاحد به، فعند وضوح الأمر كأن قد قيل لمن الحمد ومن أهله؟ فكان الجواب على ذلك فقيل: "فلله الحمد ".
نظير هذا قوله تعالى: "لمن الملك "؟ ثم قال: "لله الواحد القهار "، ألا ترى تلاقى الآيتين فيما تقدمهما فالمتقدم فى سورة غافر قوله تعالى: "لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ ".
فعند ظهور الأمر للعيان ومشاهدة ما قد كان خبرًا قيل لهم: "لمن الملك اليوم ".
وتقد فى سورة الجاثية قوله تعالى: "وبدا لهم سيئآت ما عملوا " الآيات.
وإنما ذلك يوم التلاقي والعرض عليه سبحانه فعند المعاينة وزوال الارتياب والشكوك كأن قد قيل لهم: لمن الحمد ومن أهله؟
1 / 12
فورد الجواب بقوله: "فلله الحمد ".
فالآية
كالآية، والمقدر المدلول عليه كالمنطوق، والإيجاز مستدع لذلك.
ولما تقدم ذكر الملك فى آية غافر منطوقًا به لم يحتج إلى إعادة ذكره، فقيل: "لله الواحد القهار " ولم يقل: فلله الملك لتقدم ذكره.
ولما كان الحمد فى سورة الجاثية لم يتقدم ذكره، وإنما هو مقدر يدل عليه السابق لم يكن بد من الافصاح به فى الجواب فقيل: فلله الحمد ولأجل ما قصد من تقريع المكذبين وتوبيخهم عند انقطاع الدعاوى ووضوح الأمر أتبع حمده تعالى بقوله: "رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ".
فذكر ربوبته تعالى لما أبداه وأوجده من أعظم مخلوقاته وأبدع مصنوعاته، قال تعالى: "لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس " وأعاد ذكر ربوبيته مع كل من هذه المخلوقات العظام، المنصوبة للاستدلال بها والاعتبار بعظيم خلقها وما فيها، فقال: "رب السماوات ورب الأرض " ثم أتبع بما يعم ربوبيته لذلك كله فقال: "رب العالمين ".
والعالم ما سواه سبحانه من جميع مخلوقاته ثم قال: "وله الكبرياء في السماوات والأرض " أى الانفراد بالعظمة والجلال والخلق والأمر، وهو العزيز الذى ذل كل مخلوق لعزته وقهره، الحكيم فى أفعاله الذى جلت حكمته عن أن تدرك الأفهام غاياتها أو يحيط ذوو التفكر بنهاياتها فناسب ما ورد هنا من الإطالة بتكرر - ما ذكر - مقصود الآية، وذلك هو الجارى متى قصد تعنيف المشركين ومن عبد مع الله غيره وهو وارد فى غير ما موضع من كتاب الله تعالى وتكرير لفظ "رب " فى قوله: "ورب الأرض ".
مما يشهد لهذا الغرض من قصد تقريع الجاحدين.
ولما كان الوارد فى أم القرآن خطابًا للمؤونين وتعليما للمستجيبين مجردا عما قصد فى آية الجاثية من توبيخ المكذبين ورد على ما قدم من الاكتفاء.
وكل على ما يجب ويناسب.
والجواب عن السؤال الثانى: إن وجه تخصيص السور الخمس بما افتتحت به من حمده تعالى ما ذكر آنفا.
أما أم القرآن فهى أول السور ومطلع القرآن العظيم بالترتيب الثابت فافتتاحها بحمده تعالى بين.
أما سورة الأنعام فمشيرة إلى إبطال مذهب الثنويه ومن قال بمثل قولهم ممن جعل الأفعال بين فاعلين إلى ما يرجع إلى هذا وقد بسطت هذا فى كتاب البرهان.
وإذا كانت هذه السورة مشيرة إلى ما ذكر وانفردت بذلك فافتتاحها بحمده تعالى بين
وفى الجواب عن السؤال الثانى لهذا زيادة بيان.
وأما سورة الكهف فكذلك لبنائها على قصة أصحاب الكهف وذكر ذى القرنين حسبما ألفت يهود لسائلهم من كفار قريش وذلك مما لم يتكرر فى القرآن فافتتحت بحمده تعالى وذلك
1 / 13
بين
وأما سورة سبأ فإن قصة سبأ لم يرد فيها أيضًا فى غير هذه السورة إلا الإيماء الوارد فى قوله فى سورة النمل "وجئتك من سبإ بنبإ يقين " فلما تضمنت سورة سبأ من هذا ما تضمنت ومن قصص داود وسليمان ﵉ وما منحهما الله ﷾ من تسخير الجبال والطير والجن وإلانة الحديد ولم يجتمع مثل هذا التعريف فى سواها افتتحها سبحانه بحمده وانفراده بملك السماوات والأرض وما فيهما وأنه أهل الحمد فى الدنيا والآخرة
وأما سورة فاطر ففيهما التعريف بخلق الملائكة ﵈ وجعلهم رسلا أولى أجنحة إلى خلق السماوات والأرض وامساكهما ان تزولا وانفراده بذلك ولم يقع هذا التعريف فى غيرها من سور القرآن فناسب هذه المقاصد المفردة التى لم ترد فى غير هذه السور ما افتتحت به ولا يلزم على هذا اطراد ذلك فى كل سورة انفردت بحكم أو تعريف ليس فى غيرها بل جواز ذلك منسحب على الجميع واختصاص هذه السور بذلك واضح لانفرادها بما ذكرناه
والجواب عن السؤال الثالث: أن أم القرآن لما كانت أول سورة ومطلع آياته وهو المبين لكل شئ والمعرف بوحدانيته سبحانه وانفراده بالخلق والاختراع وملك الدارين فناسب ذلك من أوصافه العلية ما يشير إلى ذلك كله من أنه رب العالمين وأنه الرحمن الرحيم وأنه ملك يوم الدين حتى تنقطع الدعاوى وتظهر الحقائق ويبرز ما كان خبرا إلى العيان وهذا واضح
وأما مناسبة الوصف الوارد فى سورة الأنعام فمن حيث ما وقع فيها من الإشارة إلى من عبد الأنوار وجعل الخير والشر من الظلمة فافتتحها تعالى بوصفه بأنه خالق السماوات والأرض وهى الأجرام التى عنها الظلمات وفيها الأجرام النيرات وذكر تعالى أنه خالق الأنوار وأعاد سبحانه ذكر ما فيه الدلالة البينة على بطلان مذهب من عبد النيرات أو شيئا منها فى قوله تعالى: "وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض " الآيات فقال: "فلما جن عليه الليل رأى كوكبا " ثم قال ﵇ على جهة الفرض لإقامة الحجة على قومه: "هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين " ثم قال ذلك فى الشمس والقمر مستدلا بتغيرها وتقلبها فى الطلوع والغروب على أنها حادثة مربوبة مسخرة طائعة لموجدها المنزه عن سمات التغير والحدوث فقال ﵇ عند ذلك لقومه: "إنى برئ مما تشركون " فأخبر عن حاله قبل هذا الاعتبار وبعده.
قال تعالى: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران: ٦٧) " وفى طي قوله: "وما كان من
1 / 14
المشركين " تنزيه عن عبادة النيرات وغيرها مما سواه تعالى وبان من هذا كله ما افتتحت به السورة من انفراده تعالى بخلق السماوات والأرض والظلمات والنور فوضح التناسب والتلازم.
وأما سورة الكهف فإنها لما انطوت على التعريف بقصة أصحاب الكهف ولقاء موسى ﵇ الخضر وما كان من أمرهما وذكر الرجل الطواف وبلوغه مطلع الشمس ومغربها وبنائه سد يأجوج ومأجوج وكل هذا إخبار بما لا مجال للعقل فى إدراكه ولا تعرف حقبقته إلا بالوحى والإنباء الصدق الذى لا عوج فيه ولا أمت ولا
زيغ ناسب ذلك ذكر افتتاح السورة المعرفة بذلك الوحى المقكوع به قوله: "الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا " والتناسب فى هذا أوضح من أن يتوقف فيه.
وأما سورة سبأ فلما تضمنت ما منح سبحانه داود وسليمان من تسخير الجبال والطير وإلانة الحديد ناسب ذلك ما به افتتحت السورة من أن الكل ملكه وخلقه فهو المسخر لها والمتصرف فى الكل بما يشاء فقال تعالى: "الحمد لله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض " وهذا واضح التناسب.
وأما سورة فاطر فمناسبة صفه تعالى باختراع السماوات والأرض لما ذكره من خلق عامري السماوات من الملائكة وجعلهم رسلًا أولى أجنحة وإمساكه السماوات والأرض أن تزولا أبين شئ وأوضحه وليس شئ من هذه الأوصاف العلية بمناسب لغير موضعه كمناسبة موضعه الوارد فيه.
فقد بان مجئ كل واحد منهما فى موضعه ملائمًا لما اتصل به، والله أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع: أن الخواتم والانتهاءات فى السور والآيات لما كان كان غير مقصود بها ما قصد فى المواضع المتقدمة وانما هى مشروعية للمؤمنين عند خواتم أعمالهم وانقضاء أمورهم وقع الاكتفاء فيها بقوله: "الحمد لله رب العالمين "، إذ فى طي ذلك اعتراف للمؤمن وعلمه بانفراد موجده جل وتعالى بالخلق والأمر وملك الدارين، وأهليته ﷾ لكل ما تضمنت الأوصاف كلها فى السور المذكورة، وليس موضع توبيخ ولا تقريع فناسب الاكتفاء بما ذكر، والله أعلم.
الآية الثانية
قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين*الرحمن الرحيم*مالك يوم الدين " اتفق القراء السبعة على الاتباع فى هذه الصفات العلية وإجرائها على ما قبلها.
وقال تعالى فى سورة البقرة: "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا
1 / 15
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس " وفي سورة النساء: "لكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل إليك من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ".
اتفق القراء السبعة فى هذه الصفات الأربع وهى قوله فى آية البقرة: والموفون والصابرين، وفى آية النساء: والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة.
على القطع كما اتفقوا فى أم القرآن فى الأربع صفات الواردة فيها على الاتباع، وقد اتفقت ثمانيتها فى أنها صفات ثناء ومدح وتعظيم ثم اختلفوا فيما ذكرنا من الاتباع والقطع ولم يجروها مجرى واحدًا، وقد ترجم سيبويه ﵀ على ما ينصب على التعظيم والمدح، وقال فى الترجمة بعد إشارتها إلى أن الوجه الانتصاب على ما ذكر من القطع بمقتضى مفهوم الترجمة فاتبع بأن قال: "فإن شئت جعلته صفة مجرى على الأول، وإن شئت قطعته فابتدأته " واستشهد على القطع بما ورد من قول العرب: " "الحمد لله الحميد هو والملك لله أهل الملك " فنصب الحميد ولهذا اتبع بالضمير المؤكد المستتر فى الصفة ليظهر النصب فى الصفتين.
ثم اتبع بجواز الرفع والاتباع وأشار إلى أن القطع هو المختار فى الباب إذا كان الموصوف معلوما والصفة المدح والثناء وهذا حاصل قوله وقول الجمهور وعليه ورد ما أورده من الآيات وما ذكر عن العرب من الإثبات.
ثم إنه أشار إلى ضعف القطع فى قوله فى أثناء كلامه "وسمعت بعض العرب يقول الحمد لله رب العالمين - يعنى بالنصب - فسألت عنها يونس فزعم أنها
عربية.
وعادته ﵀ التعبير بهذه العبارة عما هو دون غيره فى القوة، من ذلك قوله فى أول أبواب الاشتغال عقب بيت ذي الرمة:
إذا ابن أبي موسى بلال بلغته فقام بفأس بين وصليك جازر
فقال عقبه: "والنصب عربى كثير والرفع أجود " ولما استشهد على اختياره النصب فيما تقدم قبله جملة فعلية ببيتي الربيع بن ضبع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أرد رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به وحدى وأخشى الرياح والمطرا
بنصب الذئب وهو المختار أتبع بأن أن قال: "وقد يبتدأ فيحمل على ما مثل ما يحمل
1 / 16
عليه وليس قبله منصوب وهو عربي وذلك قولك: لقيت زيدًا وعمرو كلمته، ولم يخالف أحد فى أن النصب فى هذا أفصح.
وقال فى مسألة: أنت عبد الله ضربته واختياره الرفع فى عبد الله لما جعل الضمير المنفصل قبله مبتدأ وهو أنت فضعف مقوي النصب فى عبد الله وهو الاستفهام للفصل بالمبتدأ، فقال بعد اختياره الرفع لما ذكر: إلا أنك إن شئت نصبته كما نصبت زيدًا ضربته.
ثم قال عربي جيد بعد ما قدم أن الرفع عنده أولى.
وقال فى مسألة: رأيت متاعك بعضه فوق بعض ".
وجوز الرفع والنصب على معنيين فقال عقب ذلك والرفع فى هذا أعرف.
ثم قال بعد: وإن نصبت فهو عربي جيد وقال بعد إنشاده:
إن على الله أن تباعيا تؤخذ كرهًا أو تجئ طائعًا
قال: فذا عربي حسن والأول أعرف وأكثر.
فقد تبين من متعارف إطلاقه ما يريد يهذه العبارة وقد ترددت فى كتابه كثيرا فحكايته هذه القراءة عن بعض العرب بعد إيثار القطع عن جميعهم إذ لا يقتضى إطلاق كلامه غير ذلك وعليه فهمه الناس عنه وجرى عليه كلام جميعهم اعتمادًا على تلقيه من العرب ثم حكى ما يعارض ما تمهد من ذلك بما ذكر من هذه القراءة.
فهذا مع سؤاله يونس عن هذه القراءة وجواب يونس بأنها عربية، وقد بينا مراده بهذه العبارة وقول سيبويه فى أخباره عن قول يونس "فزعم " حاصل من ذلك كله ضعف القطع فى هذه الصفة مع أنها مدح وتعظيم.
فالوجه على ما تأصل فيما قدمنا قطعها بتضعيف هذه القراءة معارض.
لما اتفقوا عليه فهو مما أشكل ولم أر من تعرض له من نحوي ولا مفسر إلا بما لا يصح.
وقد أطنب أبو الفضل ابن الخطيب [الرازى]﵀ فى التفسير المنسوب إليه، فيما أورد فى تفسير الفاتحة وما تعرض لهذا بشئ وكذلك غيره من النحويين والمفسرين إلا من قال إن القطع فى هذه القراءة هو الوجه وإياه أراد سيبويه وإن جواب يونس بقوله: "عربية " إنما يريد إنها فصيحة كالمثل المذكور معها وهذا خطأ بين ومن أمعن النظر فى الكلام يراه من هذا.
وقد زعم بعض من عاصرناه من النحويين أن سيبويه إنما قصد بما حكاه عن بعض العرب من هذه القراءة فسأل يونس عنها الرد على من قال: إن القطع لا يكون إلا بعد اتباع.
فهذا أيضًا فاسد إذ لم يتقدم من كلام سيبويه ﵀ ما يبني عليه هذا لا فى الترجمة ولا في المثل ولا فيما أنشده من قول الأخطل:
[نفسي فداء أمير المؤمنين إذا أبدى التواجد يوم باسل ذكر
الخائض الغمر والميمون طائره خليفة الله يستسقى به المطر]
ومهلهل:
[وللقد خبطن بيوت يشكر خبطه أخوالنا وهم بنو الأعمام]
ولا تعرض له إلا بعد ما ذكر بعض ما سمعه من قراءة بعضهم: "الحمد لله رب العالمين " بالنصب وسؤال يونس عنها وبناء الباب على ما تقدم وتعقيبه بما به اتبع الترجمة وكل ذلك جار على ما فهمه
1 / 17
الجماعة من اختيار القطع وإن لم يتقدم اتباع.
ثم إن القطع قبل الاتباع قد تحصل مما أورده من المثالين المسموعين والآيات وما أنشده قبل الاتباع وبعده من غير تفصيل فى الحالين وذلك كله يقتضي استواء الحكم ما لم يكن الموصوف يفتقر إلى زيادة بيان، فإنه قد يحسن إذ ذاك بيان، ولما لم يقع فيما صدر به سيبويه الباب إلا ما هو معلوم غير محتاج إلى زيادة بيان وإذا ثبت هذا ولم تقع إشارة إلى ما زعم هذا القائل من هذا التفصيل فلا يتوقف القطع على الشرطين المذكورين: من كون الصفة للثناء والتعظيم، وكون الموصوف معلومًا.
وهل يطرد هذا الحكم فى كل ما وجد فيه أم يتفصل؟ هذا حكم آخر وسيستوفى بعد إن شاء الله.
أما تقدم الاتباع فليس بشرط وإنما تعلق القائل بذلك مما ذكر أبو طاهر فى باب شاذ مما يشير إلى أنه قول قائل من النحويين، إلا أنه لم يتعرض لكلام سيبويه وإنما الخطأ فى نسبة ذلك لسيبويه مع فساد هذا القول فى نفسه.
فإذا تقرر ما أصلناه من أن الوجه فيما الصفة فيه مدح أو ذم والموصوف معلوم قطع الصفة وأنه الأفصح، فللسائل أن يسأل عن وجه ضعف النصب فى القراءة المذكورة مع حصول شرط القطع؟ ولم اتفق القراء على خلاف ما تمهد أنه الوجه؟
والجواب عن ذلك - والله أعلم - أن اختيار القطع بعد حصول شرطية مطرد ما لم تكن الصفة خاصة بما جرت عليه لا تليق بغيره ولا يتصف بها سواه ولا شك أن هذا الضرب قليل جدًا فلذلك لم يفصح سيبويه ﵀ باشتراطه واكتفى بالوارد مما ذكره عن بعض العرب فإذا كانت الصفة مما لا يشارك فيها الموصوف غيره وكانت مختصة بمن جرت عليه فالوجه فيها الاتباع ويطرد ذلك فى صفات الله سبحانه مما لا يتصف به غيره، وأوضح ذلك هذه الصفة العلية ألا ترى أن ربوبيته تعالى للعالم بأسره لا تنبغى لغيره ولا يتصف بها سواه فلما كانت على ما ذكرته لم يكن فيها القطع والمراد السماع على هذا كاف فى الدلالة فمنه الآية المذكورة ومنه قوله تعالى: "حم*تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم*غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ".
لما كان وصفه تعالى بغافر الذنب وما بعده لا يليق بغيره تعالى لم يكن إلا الاتباع، والاتباع لا يكون بعد قطع فلزم الاتباع فى الكل، ومن هذا قول عمرو بن الجموح:
الحمد لله العلي ذى المنن الواهب الرزاق ديان الدين
وهذا مع تكرار الصفات وذلك من مسوغات القطع على صفة ما، وعند بعضهم من غير تقييد بصفة، وأما الاتباع فيما لم يقع فيه إلا صفتان من صفاته تعالى فأكثر من أن يحصى، فهذا شاهد السماع وهو كاف وله وجه من القياس وهو شبيه بالوارد فى سورة
1 / 18
النجم فى قوله تعالى: "وأنه هو أضحك وأبكى*وأنه هو أمات وأحيا ".
ثم قال تعالى بعد: "وأنه هو أغنى وأقنى*وأنه هو رب الشعرى ".
فورد فى هذه الجمل الاربع الفصل بالضمير المرفوع بين اسم ان وخبرها ليحرز بمفهومه نفى الاتصاف عن غيره تعالى بهذه الأخبار وكان الكلام فى قوة أن لو قيل: وأنه هو لا غيره وذلك أنه لما كان يمكن المباهت الجاحد ادعاء هذه الأوصاف لنفسه مباهتًا ومغالطًا كقول طاغية إبراهيم ﵇ جوابًا لإبراهيم ﵇ حين قال: "ربي الذي يحيي ويميت " فقال الطاغية مباهتًا ومخيلًا لأمثاله: أنا أحيي وأميت فأوهم بفعلة يطلق عليها هذه العبارة مجازًا بقتله من لم يستوجب القتل وتسريحه من وجب عليه القتل وهذا جار فى هذه الجمل المفصول فيها بالضمير فأتى به لما ذكر ولم يرد هذا الضمير فى قوله تعالى: "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى "لأن ذلك مما لا يتعاطاه أحد لا حقيقة ولا مجازا وبالاعتراف بذلك أخبر تعالى عن عتاة الكفار العرب وغيرهم حين قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " وكذلك قوله تعالى: "وأنه أهلك عادًا الأولى " لكون اهلاك القرون المكذبة مما لا يمكن أن ينسب لغير الله تعالى فلم يعرض فى هذا مفهوم يحتاج التحرز منه لم يرد هنا فصل بضمير كما ورد فيما تقدم.
وإذا تأملت القطع فى صفات الثناء والمدح وجدت ما مهدناه جاريًا على هذا، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد العلم، فاتبعت الصفة لموصوفها مع كون الصفة صالحة لمن أجريت عليه ولغيره لم يكن ذلك ليدفع غير زيد عن مشاركته فى صفته التي أجريتها عليه، فإذا قطعت قلت: ممرت بزيد العلم هو، برفع الصفة على تقدير مبتدأ أي هو العلم أحرز ذلك الضمير المبتدأ بمفهومه أن غير زيد ليس بعالم أو أنه ليس كزيد وكأنك قلت هو العلم لا غيره كما فى الآي المتقدمه، وكذا القطع فى النصب من غير فرق.
فإذا كانت الصفة لم تخص من جرت عليه لم يكن هناك مفهوم محرز منه فلم يكن القطع ليحرز هنا فائدة فلم يحتاج إليه وعليه ورد السماع كما تقدم فقد تعاضد السماع والقياس كما بينا ووجب الاتباع فى قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين " وهو مما لم يتعرض له أحد بما يخاص مع لزوم الجواب عنه.
الآية الثالثة: من أم القرآن قوله تعالى: "الرحمن الرحيم " فيها سؤال واحد وهو أن يقول القائل: ما وجه الفصل بهاتين الصفتين العليتين من قوله: "الرحمن الرحيم " بين الصفتين المقتضيتين ملك الدارين بما فيها وهما "رب العالمين "
1 / 19
"ملك يوم الدين " من حيث أن الحمد لله رب العالمين يتضمن أن لا رب سواه فهو ملك الكل فقد كان المطابق لهذا إيصال ملك يوم الدين به حتى يقع وصفه بملك الدارين جميعًا وبالانفراد فيهما بالخلق والأمر والحكم كمت هو وكما ورد فى قوله تعالى: "له الحمد فى الأولى والآخرة ".
فالجارى مع هذا أن لو قيل: الحمد لله رب العالمين ملك يوم الدين والفصل بالرحمن الرحيم مما يكسر هذا الغرض فما وجه ذلك؟
والجواب عن ذلك: أنه تعالى خصص هذه الأمة بخصائص الاعتناء والتكريم، قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس ".
وجعل نبينا ﷺ سيد ولد آدم والمصطفى من كافة الخلق والتابع يشرف بشرف المتبوع وقد خاطبه تعالى بخطاب الرحمة والتلطف والاعتناء فقال تعالى: "عفا الله عنك لم أذنت لهم " فقدم العفو بين يدي ما صورته العتب لئلا ينصدع قلبه ﷺ فكذلك تلطف لعباده من أمة هذا النبي الكريم وأمنهم من خوفهم وإشفاقهم من عرض أعمالهم وحسابهم فقال: "الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم *ملك يوم الدين ".
لما كان تعالى قد وصف هذا اليوم بأنه يوم تشخص فيه الأبصار "وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى "، قدم هنا تعريفهم بأنه "الرحمن الرحيم " وأنه ملك ذلك اليوم فأنس هذه الأمة كما أنس نبيهم وذلك أبين شئ.
الآية الرابعة:
قوله تعالى: "ملك يوم الدين " وفى قراءة عاصم والكسائي "مالك يوم الدين " وفى سورة آل عمران: "قل اللهم مالك الملك " ولم يقرأ بغيره، وفى سورة الناس "ملك الناس " ولم يقرأ أيضًا بغيره.
ومدار الآيات الثلاث على تعريف العباد بأنه سبحانه الملك المالك ثم ورد فيها من الاختلاف ما ذكر.
فللسائل أن يسأل فيقول: ما وجه هذا الاختلاف؟
وهل اختصاص آية أم القرآن بالقراءتين لموجب يخصها مع اتحاد المقصود فى الآيات الثلاث من أنه سبحانه المنفرد بملك الكل وإيجادهم وأنه الملك المالك؟ أم ذلك لاختلاف المقاصد؟
والجواب: إن الآيات الثلاث حاصل منها ما ذكر أنه مقصود من أنه سبحانه ملك مالك
أما آية الفاتحة فبإفصاح القراءتين، وأما آية آل عمران فلفظ الملك المضاف إليه
1 / 20
مالك فى قوله تعالى: "مالك الملك " يفهم أنه الملك لأن الملك من له الملك فأفهم لفظ الملك المضاف إليه مالك أنه ملك فحصل الاكتفاء بهذا وأفهمت الآية الأمرين.
وأما آية الناس فقوله تعالى: "برب الناس " مغن عن الإفصاح بمالك الناس لأن الرب المالك فكأن قد قيل: قل أعوذ بمالك الناس ملك الناس فاقتضى الإيجاز الاتصال ووحدة الكلام من حيث المعنى
أما آية الفاتحة فقوله فيها: "ملك يوم الدين " آية انفردت عما قبلها بالتعريف بما لم تعرف به الآية التى قبلها من التنصيص على أنه ملك يوم الحساب فمصرف الكلامين فى الآيتين إلى مقصودين وذلك أن قوله تعالى: "الحمد لله رب العالمين " كلام مصرفه بحسب التفصيل الوارد هنا إلى حال الدنيا مع انسحاب معناه على الدارين ولكن ورد الكلام مفصلا فقال: "الحمد لله رب العالمين " فمصرف هذا بسبقية المفهوم وتقييد ما بعده وما يقتضيه التناظر والتقابل إلى حال الدنيا ثم قال: "ملك يوم الدين " فمصرف هذا إلى الآخرة فهذا فى التفصيل كقوله تعالى: "له الحمد فى الأولى والآخرة " فلم يكن ما مصرفه إلى حال الدنيا ليقع به الاستغناء عما مصرفه إلى حال الآخرة فلم يكن بد من الإفصاح بالصفتين فورد ذلك فى القراءتين بخلاف ما فى آية آل عمران وآية الناس فإن الآيتين من حيث الاتصال فى المعنى فى قوة آية واحده والكلام فيهما مطلق غير مقيد فيتناول بحسب إطلاقه الحكم فى الدارين مع أنه كلام واحد.
فإن قلت: إذا كان قوله "ملك يوم الدين " بحسب المصرف كما تقدم آية انفردت وأين مقصدها الآية قبلها على ما تمهد فقد صارت آيتا أم القرآن بحسب مصرف كل آية منهما كآية آل عمران وآية الناس فيحتاج فى كل واحدة منهما على ما تمهد إلى ما يفهم أنه سبحانه ملك مالك وقد حصل ذلك من الآيات الثلاث فما المفهم لذلك من قوله تعالى: "رب العالمين "
فالجواب أنه مفهوم من عموم قوله تعالى: "رب العالمين " إذ لم يقع مثل هذا العموم والاستيفاء من هذه الآى فى غير هذه فإن لفظ العالمين يشمل كل مخلوق وإذا كان رب الكل ومالكهم فإن جميعهم تحت قهره وملكه فلا ملك لغيره سبحانه.
فقد حصل من كل واحدة من هذه الآى الأربع أنه سبحانه الملك المالك وتبين أنه لا يلائم الآية من أم القرآن إلا ما ورد فيها من القرآتين وان الآيات الاخر لو قرئت بالوجهين لكان تكرارا فورد كل على ما يجب ولا يناسب خلافه.
والله أعلم.
1 / 21
سورة البقرة
غ - قوله سبحانه: "الم ".
أقول وأسأل الله توفيقه:
إن القول الوارد عنهم فى هذه الحروف المقطعة الواردة فى أوائل السور على كثرته وانتشاره منحصر فى طرفين أحدهما: القول بأنها مما ينبغى أن لايتكلم فيه ويؤمن بها كما جاءت من غير تأويل
والثانى: القول بتأويلها على مقتضى اللسان وهذا مسلك الجمهور، وهذا الذى نعتقد أنه الحق لأن العرب تحديت بالقرآن وطلبت بمعارضته أو التسليم والانقياد وبمعرفتهم أنه بلسانهم ومعروف تخاطبهم وعجزهم مع ذلك عنه قامت الحجة عليهم وعلى كافة الخلق، وإذا سلم هذا فكيف يرد فى شئ منه خطابهم بما لا طريق لهم إلى فهمه، فلو كان هذا لتعلقوا به ووجدوا السبيل إلى التعلل فى العجز عنه وهذا مبسوط فى كتب الناس وغير خاف وقد انتشرت تأويلات المفسرين وتكاثرت والملائم بما نحن بسبيله ما أذكره مما لم أر من تعرض له وهو اختصاص كل سورة من المفتتحة بهذه الحروف بما افتتحت به منها فهذا ما يسأل عنه ولم أر من تعرض وهو راجح إلى ما قصدته هنا وما سوى هذا مما يتعلق بالسؤال على الحروف كورودها على حرف وعلى حرفين إلى خمسة وتخصيص هذه الحروف الأربعة عشرة وكثرة الوارد منها على ثلاثة إلى غير هذا فليس من مقصدنا فى هذا الكتاب أما الأول فمن شرطنا.
والجواب عنه: أن وجه اختصاص كل سورة منها بما به اختصت من هذه الحروف حتى لم يكن ليرد "الم " فى موضع "الر " ولا "حم " فى موضع "طس " ولا "ن " فى موضع "ق " إلى سائرها، أن هذه الحروف لافتتاح السور بها ووقوعها مطالع لها كأنها أسماء لها بل هى جارية مجرى الأسماء من غير فرق وهذا إذا لم نقل بقول من جعلها أسماء للسور والعرب تراعى فى الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون فى المسمى من خلق أو صفة تخصه أو تكون فيه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائى للمسمى، ويسمون الجملة من الكلام والقصيدة الطويلة من الشعر بما هو أشهر فيها أو بمطلعها إلى أشباه هذا وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لغريب قصة البقرة المذكورة فيها وعجيب الحكمة فى أمرها وتسمية سورة الأعراف بالأعراف لما لم يرد ذكر الأعراف فى غيرها وتسمية سورة النساء بهذا الاسم
1 / 22
لما تردد فيها وكثر من أحكام النساء وتسمية الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها وان كان قد ورد لفظ الأنعام فى غيرها إلا أن التفصيل الوارد فى قوله تعالى: "ومن الأنعام حمولة وفرشا " إلى قوله "أم كنتم شهداء " لم يرد فى غير هذه السورة كما ورد ذكر النساء فى سور إلا ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد فى غير سورة النساء وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة فى غيرها فسميت بما يخصها.
فإن قلت: قد ورد فى سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى ﵈ ولم تختص باسم هود وحده ﵇ فما وجه تسميتها بسورة هود على ما أصلت وقصة نوح فيها أطول وأوعب؟
قلت: تكررت هذه القصص فى سورة الأعراف وسورة هود وسورة الشعراء بأوعب مما وردت فى غيرها ولم يتكرر فى واحدة من هذه السور الثلاث اسم هود ﵇ كتكرره فى هذه السورة فإنه تكرر فيها عند ذكر قصته فى أربع مواضع والتكرر من أعمد الأسباب التى ذكرناها.
فإن قيل: فقد تكرر اسم نوح فى هذه السورة فى ستة مواضع وذلك أكثر من تكرر اسم هود
قلت: لما أفردت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة برأسها فلم يقع فيها غير ذلك كانت أولى بأن تسمى باسمه ﵇ من سورة تضمنت قصته وقصة غيره من الأنبياء ﵈ وإن تكرر اسمه فيها أكثر من ذلك.
أما هود ﵇ فلم يفرد لذكره سورة ولا تكرر اسمه مرتين فما فوقها فى سورة غير سورة هود فكانت أولى السور بأن تسمى باسمه ﵇.
وتسمية سائر سور القرآن جار فيها من رعى التسمية ما يجاريها فأقول: - وأسأل الله عصمته وسلامته -
إن هذه السور إنما وضع فى أول كل سورة منها ما كثر ترداده فيما تركب من كلمها ويوضح لك ما ذكرت أنك إذا نظّرت سورة منها بما يماثلها فى عدد كلمها وحروفها وجدت الحروف المفتتح بها تلك السور إفرادا وتركيبا أكثر عددا فى كلمها منها فى نظيرتها ومماثلتها فى عدد كلمها وحروفها فإن لم تجد سورة منها ما يماثلها فى عدد كلمها ففى اطراد ذلك فى المتماثلات مما يوجد له النظير ما يشعر بأن هذه لو وجد مماثلها لجرى على ما ذكرت لك وقد اطرد هذا فى أكثرها فحق لكل سورة منها أن لا يناسبها غير الوارد فيها فلو وقع فى موضع "ق " من سورة "ق " "ن " من سورة "ن والقلم " وموضع ن ق لم يمكن لعدم المناسبة المتأصل رعيها فى كتاب الله تعالى فإذا أخذت كل افتتاح منها معتبرا بما قدمته لك لم تجد: "كهيعص " يصح فى
1 / 23
موضع "حم عسق " ولا العكس ولا "حم " فى موضع "طس " ولا العكس ولا "المر " فى موضع "الم " ولا عكس ذلك، ولا "المر " فى موضع "المص " بجعل الصاد فى موضع الراء ولا العكس فقد بان وجه اختصاص كل سورة بما به افتتحت، وأنه لا يناسب سورة منها ما افتتح غيرها، والله أعلم بما أراد.
الآية الثانية:
قوله تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " فوصفه سبحانه بكونه هدى للمتقين وقال تعالى فى وصف التوراة والإنجيل فى أول سورة آل عمران: "وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس " ولم يقل هنا هدى للمتقين فللسائل أن يسأل عن الفرق الموجب اختصاص كل من الموضعين بما ورد فيه وهل كان يحسن ورود الناس فى موضع المتقين وورود المتقين فى موضع الناس؟
والجواب: أن الملائم المناسب ما ورد وأن عكسه غير ملائم ولا مناسب ووجه ذلك أن الكتاب المشار إليه هو الكتاب العزيز على ما فى مآخذ المفسرين من التفصيل وهو مما خصت به هذه الأمة، والتوراة كتاب موسى ﵇ لبنى إسرائيل والإنجيل كتاب عيسى ﵇ ولأمة محمد ﷺ الفضل المعلوم فأشير بالمتقين إلى حال المخصوصين به، وقيل فى الآخرين: هدى للناس ليشعر بحال أهل الكتابين وفضل أهل الكتاب العزيز عليهم فلا يلائم كل موضع إلا بما ورد فيه.
فإن قيل: إنما صح لهم الوصف بالتقوى بعد اهتدائهم بالكتاب وتصديقهم به والتزامهم ما تضمنه.
قلت: لحظ فى ذلك الغاية فهو من باب التسمية بالمآل وهو باب واسع ومنه: "إنى أرانى أعصر خمرا " وإذا تقرر ما ذكرناه فعكس الوارد غير ملائم، والله أعلم بما أراد.
الآية الثالثة: قوله تعالى: "يخادعون الله والذين ءآمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون " وقال بعد: "ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يشعرون ".
ثم قال بعد: "ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون " فنفى عنهم هنا العلم وفى الآيتين قبل الشعور فيسأل عن الفرق الموجب لهذا التخصيص.
والجواب عن ذلك: إن الشعور راجع إلى معنى الإحساس مأخوذ من الشعار وهو ما يلى الجسد ويباشره فيدرك ويحس من غير افتقار إلى فكر أو تدبر، فيشترك فى مثل
1 / 24
هذا الإدراك العاقل من الحيوان وغير العاقل وأما العلم فلا يكون إلا عن فكر ونظر يحصله، وقد تكون مقدماته حسية أو غير حسية على قول المحققين من أرباب النظر فهو مما يخص العقلاء ولما كان الإيمان وهو التصديق لا يحصل إلا عن نظر وفكر يحصل العلم بالمصدق به، ولا يكون النظر والفكر إلا من عاقل يعرف الصواب من الخطإ وقد نفى المنافقون ذلك عن المؤمنين ونسبوهم إلى السفه وهو خفة الحلم وعدم التثبت فى الأمور وذلك فى قولهم: "أنؤمن كما آمن السفهاء " فرد الله ذلك عليهم بقوله: "ألا إنهم هم السفهاء " ونفى عنهم العلم فنفى عنهم ما نفوه عن غيرهم ووصفوا بما نسبوه لغيرهم ولما كان الفساد فى الأرض وروم مخادعة من لا ينخدع منتحل لا يخفى فساده على أحد ويوصل إلى ذلك بأول إدراك ناسبه أيضًا نفى الشعور ولم يكن ليناسبه نفى العلم فجاء كل على ما يناسب ويلائم.
وتعرض أبو الفضل بن الخطيب لما ورد فى هذه الآية فقال: إنما قال فى آخر هذه الآية "لا يعلمون " وفيما قبلها "لا يشعرون " لوجهين: أن الوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل أمر عقلى نظرى وأما أن النفاق وما فيه من البغى يقضى إلى الفساد فى الأرض فضرورى جار مجرى المحسوس
والثانى أنه لما ذكر السفه وهو جهل كان ذكر العلم أحسن طباقا له والله أعلم انتهى، وما ذكرته أجرى مع لفظ الآي وأبين.
الآية الرابعة:
قوله تعالى: "وتركهم فى ظلمات لا يبصرون صم بكم عمى فهم لا يرجعون " وورد فيما بعد: "ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لايسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون " ففى الأولى "لا يرجعون " وفى الثانية "لا يعقلون " مع اتحاد الأوصاف الواردة مورد التسبب والعلة فيما نسب لهم.
والجواب عنه: أنه لما مثل حال المنافقين بحال مستوقد النار لطلب الإضاءة وأنه لما أضاءت ما حولها أذهبها الله وطفيت فلم يكن له ما يستضئ به ويرجع إليه فنفى عنهم وجود ما يرجعون إليه من ضياء يدفع حيرتهم وهذا بين.
أما الآية الثانية فإنه مثل حال الكافرين فيها بحال الغنم فى كونها يصاح بها وتنادى فلا تفهم عن راعيها ولا تسمع إلا صوتًا لا تعقل معناه ولا نفهم ما يراد به كذلك الكفار
1 / 25
فى خطاب الرسل إياهم فلا يجيبونهم ولا يعقلون ما يراد بهم وهذا مناسب وكل على ما يجب.
فإن قيل أما تمثيل الكفار وتشبيههم بالغنم فيما ذكر فقد أفصح ذلك قوله تعالى: "أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام " فقد وضح هذا ما ذكرته إلا أن آية البقرة إنما ورد فيها ببادى سياق الكلام وظاهره تشبيه الكفار بالنعاق بالغنم لا بالغنم فكيف يرجع تقدير الآية إلى ما ذكرت؟
فالجواب: أن إيجاز الكلام يقتضى حذف ما يفهمه السياق اختصارًا فالتقدير فى الآية ما مر من الإشارة إلى التشبيه بالطرفين ومنه قول الشاعر:
وإنى لتعرونى لذكراك فترة كما انتفض العصفور بلله القطر
فشبه فى ظاهر الكلام ما يعروه من الفترة بانتفاض العصفور وليس مراده هذا وإنما يريد تشبيه ما يعروه بما يعرو العصفور بعد ما يدركه من بل المطر من الفترة وأنه ينتفض عندها كما ينتفض العصفور فحذف فى كل من الطرفين ما أثبت نظيره.
فالتقدير فى البيت: وإن لتعرونى لذكراك فترة فانتفض كما تعرو العصفور فترة فينتفض فشبه ما يعروه بما يعرو العصفور والانتفاض بالانتفاض وعلى هذا حمل سيبويه الآية قال: "لم يشبهوا بما ينعق وإنما شبهوا بالمنعوق به " وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذين لا يسمع.
قال [سيبويه]: "ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى " وهذا تقدير معنى الآية.
فإن قلت فكيف تقدير الإعراب؟
قلت: الأقرب فيه أن يكون على حذف مضاف أى ومثل داعى الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع وعلى هذا حمله أكثر الناس وان شئت جعلت ما قدرنا عليه المعنى تقديرًا للمعنى والإعراب وقد أخذه على ذلك جملة من شيوخنا ومن قبلهم.
الآية الخامسة:
قوله تعالى: "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) " وفى سورة يونس: "أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين "، وفى سورة هود: "أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ".
يسأل عن قوله فى الأولى: "من مثله " وفى الثانية: "مثله " وما الفرق بين الموضعين؟ ولم قيل فى سورة هود بعشر سور؟ ولم وصف بمفتريات؟ ولم قال فى البقرة: "فادعوا شهدائكم " وفى الموضعين الآخريين: "من استطعتم " فهذه أربع سؤالات.
1 / 26