وسبب الانضراب أنه وقع خلط مسألتين كل واحدة منهما مباينة للأخرى إحداهما علمية والأخرى عملية بلا امتراء، الأولى منهما: الحكم على المعصية بكونها تقتضي الكفر أو الفسق وهذه علمية بلا كلام، والأخرى: كون هذا الشخص مثلا ارتكب مايفسق به أو يكفر وهذه عملية بلا ريب لأن المقصود المعاملة ظاهرا فتقبل فيها الآحاد ونحوها، وترى كثيرا من المؤلفين يخبط في هذا خبطا عظيما، ويخلط الكلام خلطا جسيما، ويحكم على إحداهما لما اشتبه عليه بحكم الثانية، وكم تجدهم في كثير من المقامات عند رواية صدور بعض الواقعات المتبين حكمها لاسيما في الخوض على أحداث الصحابة يقولون هذا يقتضي التكفير والتفسيق وهما لايجوزان إلا بقاطع ولايقبل فيهما الآحاد أو نحن من إيمانهم على يقين فلاننتقل عنه إلا بيقين أو ما أشبه هذه العبارة، ولو نظر لعلم أن جميع أبواب الموالاة والمعاداة مبنية على الظاهر وأنه لاسبيل إلى القطع على مغيب أحد غير المعصومين أو من أخبروا بحاله، ولو كان الأمر على ذلك لكان يلزم أن لايقبل فيمن علم كفره أنه أسلم إلا بقاطع.
ولقد كثر لعمر الله من ذلك العجب ولا عجب إلا لصدوره من بعض أهل الأنظار المليين بالإيراد والإصدار، فأما من لم يعض بضرس قاطع ولاضرب بسهم نافع فالحال فيه كما قال:
وابن اللبون إذا مالز في قرن .... لم يستطع صولة البزل القناعيس
وقال آخر:
من تزيا بغير ماهو فيه .... فضحته شواهد الامتحان
وجرى في العلوم جري سكيت .... خلفته الجياد يوم الرهان
وحسبك بقول الحكيم العليم: ((أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا
على صراط مستقيم)) [الملك:22]، ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)) [الزمر:9].
पृष्ठ 28