ثم أنت تعلم أن الأمة مجمعة على قول النبي صلى الله عليه: (إن الله يغضب لغضب فاطمة) وأنها ماتت وهي غضبى على أبي بكر وعلى من عاونه على قطع ميراثها من أبيها وانتزاع فدك من يدها، ليس أحد يشك في ذلك من أمة محمد صلى الله عليه، والحديث المشهور عن العلماء أن عثمان حج ذات سنة بالناس، فلما صار إلى منى أذن المؤذن للظهر فلم يظهر عثمان، فقال الناس لعلي: يا أبا الحسن، صل بنا. فقال لهم علي عليه السلام: (إن أحببتم صليت بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه)، فأبوا عليه فتركهم، فهذا/35/ يدل على أنه لم يبايعهم ولم يعتقد بصلاتهم، ثم أنتم تزعمون أن الشيعة يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه، والذي يسبهم أنتم؛ لأنكم تقولون في تفسير هذا الآية، حيث يقول تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18]، إنه تعالى لم يرض إلا عن عشره منهم، وأن العشرة هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة، وعبد الرحمن، فإذا قلتم: إن الله سبحانه لم يرض إلا عن هؤلاء العشرة، فقد زعمتم أنه سخط على الباقين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، فليس الشيعة تقول أبدا بمثل هذه المقالة؛ لأن الآية تدل على خلاف ما قلتم، إذ يقول الله سبحانه: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} إلى قوله {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} [الفتح: 25]، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه خرج بالمهاجرين والأنصار وبمن معه من سائر العرب يريد مكة، فلما صار إلى الحديبية لقيه أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو بمشركي قريش ومن تابعهم من العرب، فقالوا: يا محمد، لا ندعك تدخل بلدنا. فلما سمع أصحابه صلى الله عليه، قولهم جددوا له البيعة تحت الشجرة، فلما رأت قريش ما معه من القوة سألوه الهدنة والرجوع/36/ من ذلك الموضع إلى المدينة على أنه يعود من السنة القابلة، ويدخل مكة بغير قتال، ويقيم ثلاثة أيام، وعلى أنه من فر إليه مسلما رده عليهم، ومن فر إليهم من المسلمين مرتدا ردوه عليه، وأمره جبريل بأمر الله عز وجل أن يقبل منهم ذلك لقول الله سبحانه: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطأوهم} [الفتح: 25]، فكان هؤلاء المؤمنون محصورين لم يمكنهم أن يخرجوا من مكة، فكان مع النبي صلى الله عليه الهدي فنحره في ذلك المكان ورجع إلى المدينة، فأتبعه أبو جندل بن سهيل فرده صلى الله عليه على أبيه، ثم نقض المشركون العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه، فأمره الله سبحانه بقتلهم وقتالهم، فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]، وقال: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256]، أمره أن لا يكره أحدا على دين قريش كما أكره أبا جندل بن سهيل، فإنه قد تبين الرشد من الغي، ثم رجع عليه السلام، ففتح مكة، ورايته في يد سعد بن عبادة الأنصاري، وهو يقول: اليوم يوم الهمهمة اليوم يوم الدمدمة، اليوم يذل الله قريش فلا يعزها أبدا. فقال النبي صلى الله عليه: ((اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشا فلا يذلها أبدا))، فلما أخذهم عليه السلام/37/ السيف بعد أن كانوا أخرجوه من قريته، كما قال الله تعالى:
पृष्ठ 46