(20)مجلس [في الفرق بين الخروج عن أمر الله والخروج عن علمه]
قال: وجرى بيني وبين رجل من كبار أهل صنعاء كلام، فقلت له: يا هذا، إن حجة الله عليك كمثل حجته على أبيك، وقد كان أبوك رحمه الله، يقول بعدل الله وتوحيده، وتصديق وعده ووعيده، وأنت تقدر أن تعمل مثل عمله لنفسك ما دمت في أوان المهلة.
قال: يا أبا الحسين، هو كما قلت، ولكن معي ها هنا شئ قد ضاق منه/21/صدري، وعيل منه صبري.
قلت: وما هو؟
قال: أخبرني أليس قد علم الله عز وجل أن فرعون لعنه الله يعصي، وأنه لا يطيع إذا أرسل إليه موسى، فهل كان قادرا أن يخرج من ذلك العلم؟
قلت: استمع، واعلم أن الله عز وجل علم أنه سيخلق موسى صلى الله عليه فخلقه، وعلم أنه يأمره فيختار الطاعة، فخلقه وأمره واختار الطاعة، وعلم أنه سيخلق فرعون الملعون، وأنه يأمره فيختار المعصية، فخلقه واختار المعصية. فما لك في هذا من حجه؟
قال: لم تبين لي بعد.
قلت: أنه يتبين لك في المتبوع ما لا يتبين لك في التابع، ما تقول في إبليس الملعون، هل لعنه الله تبارك وتعالى وتوعده بعذابه، وأمر خلقه بلعنته إلى يوم الدين، علىخروجه من أمره، أو على خروجه من علمه؟
قال: فتحير وابتهر ولم يرد جوابا.
قال: ثم قلت: قد بينت لك الحق، فارجع إليه، واعلم أن الله عز وجل إنما لعن إبليس على خروجه من أمره، لا على خروجه من علمه، لأنه لا يقدر أحد من الخلق يخرج من علم الله أصلا، فارجع إلى الحق وتعلق بكلمة الصدق، يكن ذلك خيرا لك في الدنيا والآخرة.
पृष्ठ 27