प्लेटो की दावत: प्यार पर चर्चा
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
शैलियों
ثم ظهر سقراط وهو والد الفلسفة الحديثة اليونانية.
وكان عظيما بأخلاقه كما كان عظيما بفلسفته، وكان عظيما في موته كما كان عظيما في حياته، وقد أتينا على ملخص آرائه نقلا عن أعظم مؤلفي الإفرنج أمثال زيلر مؤلف كتاب «تاريخ أقطاب الفكر في بلاد اليونان»، واعتمدنا على ما تلقيناه عن أستاذنا جوبلو أستاذ تاريخ المذاهب الفلسفية في كلية الآداب بجامعة ليون (1909)، ولا ريب في أن اسم سقراط أعظم أسماء الفلاسفة السابقين لأرسطو، وهو أستاذ أساتذة هذا الأخير، ويوجد شبه بين سقراط وبين إبراهيم الخليل؛ فقد كان والد كل منهما صانعا للتماثيل، وقد ترك كل منهما عبادة الأصنام، وتعلق بأهداب الحكمة، وتوصل بها إلى الإيمان، وربما كانت قصة الخليل مأخوذة عن تاريخ سقراط، وكان سقراط يعتقد أنه تسلم رسالته من الأرباب، وكانت صفاته صفات المصلحين الثوريين؛ فقد عاش في حياته عيشة نقية، ولم يتردد في مخاصمة جميع الأحزاب والفرق في سبيل الحق ونشر مذهبه.
والفرق بينه وبين إبراهيم الخليل أن سقراط لم يقتن ثروة، ولم يقدم زوجته مرارا بصفة كونها أخته للملوك ليحصل على قطعان الغنم والإبل.
ولقد لخصنا مذهبه الفلسفي تلخيصا وجيزا، ونقول إن سقراط لم يؤثر في الناس بفلسفته ليس إلا، بل أثر فيهم بشخصيته، ومن العجيب أنه لم يؤلف كتابا، ولم يدون سطرا، ولكنه خلق رجالا ألفوا آلاف الكتب. كتب لندسي (ص9، ترجمة مؤلفات زينفون): «إن سقراط لم يترك أثرا مدونا، ولكن زينفون وأفلاطون خلداه بما كتباه عن حياته ومذهبه، كما أن أريستوفان المؤلف الهزلي الذي هزأه في رواية «الغيام» لم ينكر أنه أعظم رجل في أثينا، وناهيك ببطل إحدى روايات أرستوفان المر القلم واللسان.» وبالرغم من أن سقراط لم يكتب فإنه أوجد أربعة مذاهب فلسفية كان لها أعظم شأن في العالم، أولها مذهب الميجار (ميغاره)، ومذهب سيرانيك (القوريني)، ومذهب سنيك (الكلابية)، وإذا نظرنا إلى كل مذهب من تلك المذاهب الثلاثة نرى أثرا جليا من شخصية سقراط وفلسفته، وأهم منها رابعها وهو مذهب أفلاطون وما تشعب عنه، حتى فلسفة أرسطو نفسه، فإنها لم تكن إلا نقدا للمذاهب المذكورة، وشرحا لها، وتنقيحا لما جاء فيها، وتطبيقا لمبادئ العلم الصحيح على ما أنتجته قريحة سقراط، وتلاميذه الذين هم أساتذة أرسطو.
ثم نقلنا ملخص ما كتبه مؤرخو العرب عن سقراط وهم ابن أبي أصيبعة والقفطي والقاضي صاعد وغيرهم، وقد نقلنا هذا الملخص، ونسقناه على طريقة حديثة ليكون لذيذا في مطالعته، ولكن الناظر إليه يدرك الفرق بين طريقة العرب وطريقة الإفرنج، ونحن لا ننتقص هؤلاء، فهم أجدادنا وأساتذتنا وبلغتهم نكتب، ومن فضلهم نغذي عقولنا، وقد غذوا أوروبا ذاتها بلبان العلم والحكمة منذ آلاف السنين، ولكن انظر ماذا جاء في كلامهم عن سقراط: مجموعة حكم وأمثال، وقد بالغ ابن أبي أصيبعة في التقصي، فنسب إلى سقراط شعرا عربيا! وكل ما كتب عنه رواية عن حبسه وموته، وهو مشوه مختلط. ولم يفقه العرب معنى تهمة الثورة التي نسبت إلى سقراط، ولا طريقة المحاكمة، ولا تنفيذ الحكم، ولا دفاع سقراط مع أنهم بدون شك، وقفوا على كتاب احتجاج سقراط على أهل أثينا، تأليف زينوفون
Mem’orabilia
وفي آخره دفاع سقراط، وهو من أبلغ ما نطق به لسان، وفيه أن ملتيوس وأنيتوس وجها إلى سقراط تهمتين؛ «الأولى عدم الاعتقاد بآلهة المدينة، ومحاولته تقديس سواها وترويج عبادتها، والتهمة الثانية إفساد أخلاق الشبيبة.» وكان سقراط لا يريد الدفاع عن نفسه، ولكن هير موجونيس صديقه الحميم توسل إليه أن يدافع، فدافع بعد أن سمعت شهادة الشهود عليه، وكلهم شهدوا زورا بإيعاز من المدعي العام أنيتوس، وقد دحض سقراط التهمتين بطريقته القياسية البديعة، وكان في كل جملة يرغم أنيتوس على التسليم بصحة قوله، ولكن الحكم كان مدونا قبل سماع الدفاع، والنية كانت معقودة على إعدام هذا الحكيم قبل الجلوس على منصة الأحكام، فلم تفده حكمته وبلاغته، ولكن مؤرخي العرب ذكروا أنه كان لليونان ملك، وأن هذا الملك تآمر مع القضاة الأحد عشر على قتل سقراط خفية، وأنهم سجنوه لهذه الغاية، وأنهم اتفقوا على تقديم السم إليه ليتقوا قتله علانية إلى آخر ما جاء في كتبهم من تغيير الحقيقة لعدم إدراك الأنظمة الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في اليونان، ومن اهتمامهم بالقصص والأحاديث الطلية، وانصرافهم عن خلاصة الفكر الحقيقي، وعلى الخصوص لاكتفائهم بالرواية عن بعضهم، فإن ما تجده في كتاب تجده في عشرة غيره مع تحريف بسيط، بحيث لا يدري الإنسان أي المؤلفين نقل عن غيره؛ لأنهم - سامحهم الله - يأنفون ذكر المصادر، وهم هم الذين وضعوا علم مصطلح الحديث، وألفوا في صحة الإسناد، وأسسوا كتبهم على صدق الرواية، وملئوا كتبهم بأسماء الرواة مثل كتاب الأغاني، وكتاب العقد الفريد وغيرهما، والذي يدهش في بعض كتبهم عدم التحري؛ فإننا نقلنا عنهم أن سقراط مات بعد المائة، مع أن الثابت عن زينفون أنه مات حوالي السبعين من عمره.
هذا ما أردنا إيراده موجزا عن سقراط، وسنفيه حقه من التاريخ والتمجيد عند نشر «جمهورية أفلاطون» التي أخذنا في نقلها إلى العربية من مدة طويلة، وكلها على لسان سقراط، فسنفرد له فصلا قائما بذاته نذكر به ما تشتاق إليه النفوس من تاريخ أحكم الحكماء، وأعظم الرجال، وأسعدهم حظا.
على أننا لا نريد الانتقاص من قدر كتاب العرب؛ فإننا نجلهم، ونمجد ذكرهم؛ لأن لهم علينا وعلى الإنسانية فضلا لا يقدر، وكفانا اعترافا بذلك أن كاتب هذه الأسطر قضى أكثر من عشر سنين في درس تاريخ الفلسفة العربية، وتدوين تراجم حكماء العرب، وتفصيل مبادئهم، وقد نشر من ذلك الكتاب تاريخ الكندي والفارابي وفلسفتهما (راجع مقتطف يوليو 1920)، ولكن الذي يغيظ المنقطع للدرس ما يلحقه من خيبة الأمل بعد طول العناء؛ فها نحن نقرأ كتاب «عيون الأنباء»، ونبحث ساعتين أو ثلاثا، فنجد شعرا جميلا، ونثرا بليغا، وسجعا مرصعا، ولا نجد تاريخا، ولا واقعة معينة، ولا اسما علما يركن إليه، ونعثر بنبذ طويلة منقولة بحذافيرها من كتب أخرى بغير إشارة إلى مصدرها، فإذا انتقلنا إلى غيره وجدنا مثل ذلك، هذا الذي يحرج الصدر، ويهيج السخط، وقد ذكر لنا الأستاذ سانتيلانا، أستاذ تاريخ المذاهب الفلسفية في الجامعة المصرية في 1913، أنه يقلب عشرين كتابا، ويقرأ مائة صفحة، ولا يدون إلا سطرا أو سطرين. على أن هذا لا يمنع الاعتراف بفضل كاتب جليل قنع بذكر المبادئ الفلسفية، وترك تفصيل التراجم لغيره، وهو الخالد الذكر أبو الفتح محمد الشهرستاني (نقول وإن أتقن النسخ التي بين يدينا هي المطبوعة في لندن 1842) فيا حبذا!
لقد جئنا عن سقراط وفلسفته بالقدر الكافي ، ولخصنا مبادئه التي كان يقولها ويلقنها؛ لأنه كان يأنف الكتابة والتدوين، وقلنا إنه كان يعتقد بوجود الله، ويقول عنه: «إذا رجعنا إلى حقيقة الوصف والقول فيه وجدنا النطق والعقل قاصرين عن اكتناه وصفه وتحققه وتسميته وإدراكه؛ لأن الحقائق كلها من تلقاء جوهره.» ويقول عن علم الله وقدرته وجوده وحكمته إنها بلا نهاية، ولا يبلغ العقل أن يصفها، ولو وصفها لكانت متناهية، ويقول إنه حي وناطق من جوهره؛ أي من ذاته، وحياتنا ونطقنا ليسا من جوهرنا؛ ولهذا يتطرق إلى حياتنا، ونطقنا العدم والدثور والفساد، ولا يتطرق ذلك إلى حياته ونطقه.
अज्ञात पृष्ठ